اختار ملتقى الشارقة للخط العربي لهذه الدورة أن يفرد معرضاً خاصاً للمرأة تقديراً لجهودها المتزايدة في هذا الفن الذي ظل في العصور السابقة فناً يقتصر على الرجال، لكن المرأة في العصر الحاضر اقتحمته، لتعانق أناملها الرقيقة القلم وتتحرك على سطح اللوحة راسمة توليفة من الخطوط الجميلة مثبتة بذلك جدارتها بأن يكون لها حظ في هذا الفن العريق، وجاء هذا المعرض الخاص بعنوان نون، وكشفت اللوحات الخطية والزخرفية عن مدى الشغف الذي يجذب المرأة للخط وفنونه، ذلك الشغف الذي كون الدافع الخفي وراء الأعمال المعروضة، وصبغها بصبغة وجدانية صنعت حالة جمالية خاصة، وعكست خيارات متعددة لدى المرأة الفنانة حين تدخل إلى ميدان الخط. شاركت في المعرض: إشراق العويوي وإيمان الجشي من السعودية، أمل حافظ ورشا قاسم وسمر قطارية وفاطمة البسيوني ونبيهة الألفي الرفاعي ونها المنصوري من مصر، جنة عزت من العراق، وسيتي يوسف من ماليزيا، وفاطمة البقالي وفاطمة الظاهري وفاطمة جوري ومريم الفارسي وندى المازمي من الإمارات، ومينا سليمي، ونوريا جارسيا ماسيب من إسبانيا، جميلة عوض من سوريا. تراوحت الأعمال بين الخط الأصيل والحروفية والزخرفة، ففي الخط الأصيل تنوعت الخطوط بين الكوفي والنسخ والثلث والديواني والديواني الجلي، كما تنوعت النصوص المكتوبة بين الآيات القرآنية والأحاديث والحكم والأبيات الشعرية، ومن الأعمال البارزة عمل للفنانة أمل حافظ من مصر، بالكوفي المشجر، كتبت فيه الحكمة المأثورة من لانت كلمته وجبت محبته بتركيب يبدأ من الأسفل إلى الأعلى لتصنع بالكلمات شكل مربع، وركزت على تشجير رأسي الحاء والجيم لتصنع بهما قبتين متوازيتين في الأعلى لتضفيا على الجملة هالة روحية، وترسما بتقاطعهما شكل قلب موحٍ بمضمون النص، كما زوقت بخفة بقية الأحرف لإحداث توازنات بين أطوال الحروف من جهة، والمساحات المشغولة والفارغة من جهة أخرى، وبذلك خلقت لوحة خطية بديعة ومعبرة ارتقت بمدلول الجملة إلى أعلى المراتب، وجاءت الخلفية بألوان غواش على ورق فبريانو لتعطي للون الحبر الأسود صفاء جميلا وتزيد رونق اللوحة. لوحة جميلة عوض من سوريا جاءت على شكل حلية بخط النسخ وقسمتها إلى مستطيلات تتصاغر صعود ونزولا ابتداء من المستطيل الوسط الذي هو أكبرها، لتعطي توازنا شكليا عززته الزخرفة الجانبية التي ملأت بها الفراغات حول المستطيلات، وهي زخرفة نباتية يبرز فيها اللون الأزرق، وفي الأعلى البسملة ثم في الوسط حديث شريف وفي القاعدة الصلاة على النبي التوقيع، وفي باب الحلية أيضا هناك لوحة للفنانة نوريا خارسيا من أسبانيا، اتخذت نمط الحلية في تقسيم اللوحة إلى مستطيلات متوازية، وكذلك الاشتغال برشاقة على الزخرفة أما النص الذي كتب فيها فهو عبارة عن بيتين بخط الثلث، من قصيدة في مدح الرسول صلى الله عليه وسلم، هما: يا طريداً ملأ الدنيا اسمه وغدا لحنا على كل الشفاه وغدت سيرته أنشـودة يتلقاها رواة عن رواة أما فاطمة البقالي من الإمارات فقد كتبت مقولة المعرفة قوة لفيلسوف النهضة الأوروبية فرانسيس بيكون، وعمدت إلى تضفير الألف واللام والعين والتاء الأخيرة، لإعطاء إحساس بالقوة لأن التضفير يدل على التماسك والشدة، وذلك مع إضافة امتداد للألف في الأول يتجه نحو طرف اللوحة الأيمن، وامتداد للتاء يمتد نحو نهاية اللوحة، لتشير إلى فكرة لا نهائية المعرفة. فاطمة جوري كتبت عبارة الحمد لله بالخط الكوفي المربع مكررة على شكل مكعبين أحدهما يستقر بشكل مائل فوق الآخر، وجاءت الأحرف باللون الأزرق المتدرج بين الشفاف والغامق ما سمح لها بصناعة الأبعاد الثلاثية للمكعب. في الحروفية حضر عمل إيمان الجشي من السعودية التي مزجت بين الألوان والحروف في تشكيل ركزت فيه على الشفافية، فاللوحة مقسمة طولياً إلى نصفين من كل منهما بالأزرق الشفاف، يفصل بينهما في الوسط خط أبيض رقيق وتتراءى من خلف تلك الشفافية حروف ونقاط بيضاء تلمع كلما اقتربت من الخط الأبيض، وتصبح غامقة كلما ابتعدت عنه، وفي قاعدة اللوحة تبدو الأحرف داكنة، وتمتزج الشفافية بالحمرة، كأنما ترمز بذلك إلى الدم الذي يعكر صفاء حياتنا، ويلوث كلماتنا وأحاديثنا، كذلك مزجت نبيهة الألفي بين نزعة حروفية وأخرى أصيلة فقد كتبت واعتصموا بحبل الله بخط النسخ في مساحة مستطيلة صغيرة، على طرف لوحة خلفيتها زرقاء بالكامل، وتتوزع على سطحها زرقة يتخللها الأحمر، كأنها سطح الأرض عندما تكسوه الخضرة وتتفتح فيه الورود، وفي قاعدة اللوحة كتبت الواو بخط كوفي كبير. أما في باب الزخرفة فقد برز عمل الفنانة إشراق العويوي من السعودية التي قدمت لوحة زخرفية على شكل زهرة جميلة أخذت تتفتح بكل الألوان، وجعلت أوراق الزهرة على عدة ألوان لترسم مستويات تلك الزهرة، وحتى يعطي التمايز اللوني الصورة الحقيقية للزهرة، كما برزت الدقة والتناسق في الزخرفة في عمل الفنانة نهى المنصوري من مصر التي صنعت دائرة كبيرة مشغولة بزخرفة نباتية بكل الألوان، وبشكل دقيق ومتوازن باحترافية شديدة، وجاءت الدائرة الكبرى على شكل دوائر نجمية متنامية بشكل متصاعد حتى نصل إلى الشكل الكلي للدائرة، واختارت ألوان الأصفر والأزرق والأحمر لتشكل منها مزيجاً بديعاً، وفي وسط هذه الدائرة الكبيرة الجميلة كتبت بخط النسخ عبارة محمد رسول الله. ندوة الملتقى اليوم ضمن فعاليات ملتقى الشارقة للخط في دورته السابعة التي انطلقت يوم الأربعاء الماضي وتستمر حتى 6 يونيو/ حزيران المقبل، تستضيف كلية الآداب والعلوم الإنسانية في جامعة الشارقة اليوم وغدا الندوة الدوليــة الفكرية المصاحـــبة للملتقى النقطة في المشهــد الفـــكري والبصري والجمالي، تبـــدأ فعاليات اليوم الأول من الندوة عند الساعة الحادية عشرة صباحاً بجلســة افتــتاحية، يعقبها 3 أوراق عمل لكل من د. إياد حـــسين، ود. رضا جمــعة، ود. محمد حسن.
مشاركة :