لم يسقط سهوًا

  • 11/25/2020
  • 00:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

ظن البعض أن مئوية المصارف سوف يفوتها القطار، وأن من تم الاحتفاء بهم في خضم لهفة الاستحقاقات، من الممكن ألا يلتقوا برفقائهم على الطريق، وأن من تأخر عن الترحال، أو من تخلف عن الركب أو من سقط سهوًا في خضم الأحداث المتلاحقة، قد يُلقي «بسقط المتاع» في طريق لا هوادة فيه، وبطرح النخيل تحت أقدام تعبت من الانتظار لمآثر لم نكشف عنها الغطاء، أسماء بعينها لا تُنسى، لكنها كانت جديرة بأن نحقق من أجلها الانفراد والتفرد، شخصيات تعبت وأجادت وحققت لبلادها وأمتها ما لم يحققه ضجيج آبار النفط، ولا حشرجات ماكينة البحث عن ثروات هي بالتأكيد ناضبة. عبدالرحمن عبدالملك، اسم لم نتندر به كثيرًا هذه الأيام، لم تطفو مناقبه على سطح الأحداث حيث وافته المنية في منتصف العقد الأول من الألفية، وحيث كان مؤسسًا ومؤثرًا في منظومة مصرفية إسلامية لم يسبقه إليها عبقري في سياق، ولم يتجاوزه فيها باحث عن سباق.  عبدالرحمن عبدالملك منذ انطلاق مسيرته في بنك البحرين والكويت ثم بلوغه محطات الاشتباك الدراماتيكي مع صناعة الصيرفة الإسلامية بدءًا من بنك البركة الإسلامي في ثمانينيات القرن الماضي مرورًا بتجربة فريدة في تأسيس أول مصرف إسلامي في أوروبا «المصرف الإسلامي البريطاني»، ثم تأسيسه ورئاسته التنفيذية لمصرف أبو ظبي الإسلامي، ثم وثم .. ومآثر أخرى كثيرة لا يمكنها أن تدفع بنا إلى الخطأ لنقول أو ندعي بأنه سقط سهوًا، أو اختفى عنوة، أو توارى عن المنظر، حيث عبدالرحمن عبدالملك، أو شقيقه الأصغر عدنان بن أحمد بن يوسف عبدالملك، أو شقيقه عاطف عبدالملك مؤسس بنك أركابيتا، ضمن الأفق الإبداعي الذي لا يتحقق لكثير من المصرفيين في جيلنا المعاصر، هؤلاء ما يمكن أن نطلق عليهم بالمتفردين ضمن نموذج نادر التحقق ابتعاثًا من رسالة حق لإرساء دعائم الحق في مئوية مصرفية كانت محط أنظار العالم رغم ما يحدث، وما يتخلق بفعل جائحة كورونا. مصرفيونا يستحقون كتابًا نحن مازلنا بخلاء عليهم به، بالتحديد هؤلاء الذين أبدعوا، وهؤلاء الذين تقدموا الصفوف، وهؤلاء الذين ألقوا بحجر نوراني كبير في بحيرة كانت حكرًا على غيرنا، وفي فضاء لم يكن لنا فيه مساهمة تُذكر. عبدالله السعودي أو عدنان يوسف أو الشيخ صالح كامل رحمة الله عليه أو عبدالرحمن عبدالملك طيب الله ثراه أو الراحل المبادر أحمد علي كانو، أو المعاصر المبدع نور الدين عبدالله نور الدين، أو عاطف عبدالملك بتجربته الفريدة مع أركابيتا، أو.. أو.. وأسماء أخرى كبيرة لم يتسع المكان هنا لذكرها، لكن سوف تتسع لها الذاكرة، وسوف تحتضنها مقالات وكتابات، صولات وجولات، كتب ومجلدات، أعتقد أنها تحتاج منا إلى عمل جماعي، ربما يقوده رئيس مجلس إدارة جمعية مصارف البحرين عدنان بن أحمد يوسف الذي عودنا على كرم أخلاقه، وعلى استباق مبادراته، وعلى تقدمه الصفوف الأمامية في كل ما من شأنه إثراء العمل المصرفي، وإخراجه من حيز المحلية أو الإقليمية كلما انكفأ متأثرًا ببعض العوامل والمعطيات، ثم التحليق به إلى آفاق عالمية محفوفة بالتحدي، لكنها مفعمة بالإبداع وتحقيق الإنجاز. إن الأسماء الكبيرة كالآثار العظيمة، لا تسقط بالتقادم، ولا تُحال إلى التقاعد ولا يمكن لها أن تذهب سهوًا، لذا أعدت النظر فيما طرحت من أسماء، وما حفظته عن ظهر قلب من تجارب، خاصة أننا أمام مائة عام من النور، وعشرات من المصرفيين البحرينيين والعرب الذين جعلوا حياتنا أبهى وأزهى، وملأوا بلادنا ضجيجًا وطحينًا، سكونًا وحركة، عطاءً وبركة، فلهم جميعًا كل إجلال، وكل عرفان وكل تحية.

مشاركة :