أصدر الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي قانون «مكافحة الإرهاب»، الذي تأمل حكومته أن يحد من وتيرة عمليات إرهابية تضرب البلاد منذ أكثر من عامين، لكن حقوقيين ونشطاء قالوا إنه «يغلق المجال العام.. ويقضي على ما بقي من هامش لحرية التعبير عن الرأي ويكرس حالة طوارئ ويعصف بحقوق أصيلة للمواطن»، فيما أبدى نقيب الصحافيين يحيى قلاش ترحيبه بالاستجابة لتعديل مادة كانت تتيح حبس الصحافيين، مشيرًا إلى وجود ملاحظات تبحث النقابة سبل التعاطي معها. ودخل القانون الجديد حيز التنفيذ أمس (الاثنين) بعد أن صدق عليه الرئيس السيسي مساء الأحد الماضي، ونشر في الجريدة الرسمية، بحسب علاء يوسف المتحدث الرسمي باسم الرئاسة. وينص القانون الجديد على تخصيص دوائر في محاكم الجنايات لنظر قضايا الإرهاب، ويعاقب بالإعدام على 12 جريمة إرهابية يترتب عليها قتل أشخاص أو اﻹضرار بـ«الوطن». كما يحصن القانون القائمون على تنفيذه في مادة تنص على أنه «لا يسأل جنائيا القائمون على تنفيذ أحكام هذا القانون إذا استعملوا القوة لأداء واجباتهم، أو لحماية أنفسهم من خطر محدق يوشك أن يقع على النفس أو الأموال، وذلك كله متى كان استخدامهم لهذا الحق ضروريا وبالقدر الكافي لدفع الخطر». وتعهد الرئيس السيسي خلال تشييع جثمان النائب العام السابق هشام بركات الذي اغتيل في تفجير استهدف موكبه شرق القاهرة أواخر يونيو (حزيران) الماضي، بسن تشريعات لمواجهة الإرهاب. ويسمح قانون مكافحة الإرهاب للمحكمة بأن تقضي إلى جانب العقوبات المقررة باتخاذ تدابير منها إبعاد المدانين من الأجانب عن البلاد، وتحديد إقامة المدان بعد تأديته مدة العقوبة أو منعه من استخدام وسائل اتصال معينة أو حيازتها، أو إقامته في أماكن بعينها أو الاقتراب من أماكن بعينها أو شغله وظائف معينة. وصدق مجلس الوزراء على مشروع قانون مكافحة الإرهاب مطلع الشهر الماضي، لكن اعتراضات نقابة الصحافيين على نص يتيح عقوبة الحبس على نشر معلومات أو بيانات عن العمليات الإرهابية بالمخالفة للبيانات الرسمية، أرجأت إقراره. وقالت نقابة الصحافيين في بيان حينها إن مشروع قانون مكافحة الإرهاب «اعتدى على أحكام الدستور وعطلها صراحة»، وأوضحت أن المادة 33 من مشروع القانون «تشكل بذاتها اعتداء صارخا على الدستور وتعطل أحكامه، بما يستوجب مساءلة من وضعها باعتباره ارتكب عملا إرهابيا». وعدلت الحكومة المادة المثيرة للجدل (المادة 33 من مشروع القانون)، واستبدلتها بالمادة 35 في القانون الذي صادق عليه الرئيس، وفي قصر العقوبة على الغرامة التي تتراوح بين 200 ألف جنيه (نحو 25 ألف دولار) و500 ألف جنيه مصري. وتنص المادة 35 من القانون على أن «يعاقب بغرامة لا تقل عن 200 ألف جنيه ولا تجاوز 500 ألف جنيه كل من تعمد بأي وسيلة كانت نشر أو إذاعة أو عرض أو ترويج أخبار أو بيانات غير حقيقية عن أعمال إرهابية وقعت داخل البلاد أو العمليات المرتبطة بمكافحتها بما يخالف البيانات الرسمية الصادرة عن وزارة الدفاع، وفي الأحوال التي ترتكب فيها الجريمة بواسطة شخص اعتباري يعاقب المسؤول عن الإدارة الفعلية لهذا الشخص بذات العقوبة المقررة في الفقرة الأولى، وفي جميع الأحوال للمحكمة أن تقضي بمنع المحكوم عليه من مزاولة المهنة لمدة لا تزيد على سنة إذا وقعت الجريمة إخلالا بأصول مهنته». ورحب نقيب الصحافيين باستجابة الحكومة لمطالب الصحافيين بإلغاء عقوبة الحبس، مشيرًا إلى أن المادة جاءت إيجابية أيضا فيما يتعلق بضبط الصياغة المتعلقة بالجهات التي تصدر البيانات الرسمية وحصرها في وزارة الدفاع. وقال قلاش لـ«الشرق الأوسط» إنه «رغم هذه الأمور الإيجابية نتحفظ على منح المحكمة حق وقف الصحافي عن العمل.. هذا تعد صارخ على قانون نقابة الصحافيين وهو قانون خاص يجب أي قانون آخر.. هذا النص به شبهة عدم دستورية ونبحث حاليا التحرك القانوني للتعاطي معه». وتنص المادة 29 من القانون الجديد على عقوبة السجن المشدد لمدة لا تقل عن خمس سنوات لكل من أنشأ أو استخدم موقعا إلكترونيا «بغرض الترويج للأفكار أو المعتقدات الداعية إلى ارتكاب أعمال إرهابية». وينتقد معارضون هذه المادة ويقولون إنها فضفاضة وقد تستخدم ضد أي شخص ينتقد الحكومة في الفضاء الإلكتروني. ويرى مؤيدو القانون أنه يساعد الجهات الأمنية في سرعة الاستجابة للتحديات الراهنة. ويقول اللواء فؤاد علام وكيل جهاز أمن الدولة سابقا لـ«الشرق الأوسط»: «بالتأكيد هذا القانون سوف يسهم في الحد من العمليات الإرهابية لكنه ليس كافيا، لا بد من تفعيل منظومة مكافحة الإرهاب بعناصرها الاجتماعية والاقتصادية والدينية والثقافية والسياسية». لكن منتقدي القانون يعدونه بمثابة «اعتداء سافر على الدستور». وقال جمال عيد مدير الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان لـ«الشرق الأوسط» إن «إصدار القانون دون الالتفات إلى الاعتراضات التي وجهتها منظمات المجتمع المدني له يعد مواصلة لإساءة استخدام السلطة التنفيذية لسلطة التشريع، التي من المفترض اللجوء إليها في حدود الضرورة القصوى لحين انتخاب مجلس النواب». وفي غيبة البرلمان يمنح الدستور للرئيس حق إصدار القوانين العاجلة، على أن ينظرها البرلمان خلال أسبوعين من انعقاده ليرى ما يقرره في شأنها. وتعد القوانين كأن لم تكن وينتفي ما بني عليها بأثر رجعي إن لم ينظرها المجلس أو رفضها. وأعربت 17 منظمة ومركزا حقوقي عن رفض مشروع القانون، وقالت إنه «يقوض ما بقي من النظام القضائي المصري العريق»، وأشاروا في بيان قبل إصداره إلى أن «مشروع القانون يكرس حالة طوارئ غير معلنة وغير محددة المدة، ويؤسس نظاما قضائيا استثنائيا، مما يسهل قمع طيف واسع من الحقوق والحريات كحرية الرأي والتعبير والتجمع السلمي وحق تكوين الجمعيات». وتجيز المادة 53 من القانون «لرئيس الجمهورية متى قام خطر من أخطار الجرائم الإرهابية أو ترتبت عليه كوارث بيئية، أن يصدر قرارا باتخاذ التدابير المناسبة للمحافظة على الأمن والنظام العام، بما في ذلك إخلاء بعض المناطق أو عزلها أو حظر التجول فيها، على أن يتضمن القرار تحديد المنطقة المطبق عليها لمدة لا تجاوز 6 أشهر». ويجيز القانون لرئيس الجمهورية مد مدة «التدابير المناسبة» بعد موافقة أغلبية أعضاء مجلس النواب «ويشترط في الحالات العاجلة التي تتخذ فيها التدابير المشار إليها بمقتضى أوامر شفوية، أن تعزز كتابة خلال 8 أيام». ويرى منتقدو القانون أن المادة 53 محاولة للإفلات من القيود التي فرضها الدستور على إعلان حالة الطوارئ لمدة 3 أشهر فقط وتمديدها لمرة واحدة بعد موافقة البرلمان. وقال حافظ أبو سعدة عضو المجلس القومي لحقوق الإنسان لـ«الشرق الأوسط» إن «المادة 53 مخالفة للدستور وهي في الحقيقة محاولة للالتفاف عليه.. لم يكن لها ضرورة لأنها تنص على ذات التدابير المقررة في إعلان حالة الطوارئ». وأبدى أبو سعدة أيضا خشيته من العصف بحقوق المواطن وتهديد الشرعية الإجرائية للقانون. مشيرًا إلى الأحكام الإجرائية لضبط الجرائم الإرهابية، والتي تنص على أن «لمأمور الضبط القضائي (الشرطة) لدى قيام خطر من أخطار جريمة الإرهاب الحق في جمع الاستدلالات عنها والبحث عن مرتكبيها والتحفظ عليهم لمدة لا تجاوز 24 ساعة، ويحرر مأمور الضبط القضائي محضرا بالإجراءات ويعرض المتحفظ عليه على النيابة العامة أو سلطة التحقيق المختصة بحسب الأحوال، ولكل منهما قبل انقضاء مدة الأربع وعشرين ساعة أن تأمر باستمرار التحفظ لمرة واحدة مدة لا تجاوز 7 أيام، ويصدر الأمر مسببا من درجة محام عام على الأقل أو ما يعادلها. وتحتسب مدة التحفظ ضمن مدة الحبس الاحتياطي، ويجب إيداع المتهم في أحد الأماكن المخصصة قانونا». وقال أبو سعدة: «إننا أمام خطر إخفاء المواطن لمدة 10 أيام لمجرد ورود مذكرة تحريات تفيد باحتمال ضلوعه في عمل إرهابي أو اتصاله بتنظيمات إرهابية.. هذه المادة خطيرة، فإجراءات القبض والتفتيش يجب أن تظل تحت إشراف قضائي حتى لا يتم العصف بحقوق أصيلة للمواطن».
مشاركة :