تجلس حزينا رفقة الذكريات التي لم تعد حاضرة، توبخ نفسك أحيانا وتعض أناملك من الندم أحيانا، تستحضر صورا لأشخاص افترقت بكم طرق الحياة فأبعدتكم، تتذكر ماضيا يجلب عليك الشعور بالتعاسة والوحشة والندم وجلد الذات، فلماذا تجلس إذن؟!اهرب من الذكريات واخلق حاضرك، فالتفكير فيما تعجز عن تغييره هو إضاعة لوقت تقدر فيه على التغيير، فالمال الذي ضاع منك في ماضيك لا يمكنك استعادته مرة أخرى بالتفكير فيه، لكن يمكنك بالعمل والسعي تحقيق ثروة جديدة من حاضرك الذي تحيا فيه وليس من ماضيك الذي لن يعود.حزنك الحقيقي يكمن داخلك، والسعادة الحقيقية تأتي من داخلك، وبداخل كل إنسان مصباح سحري، بيده أن يوقظ مارد الحزن أو يخلق صانع السعادة، فأسعد نفسك بنفسك تسعد! في كتاب مفتاح دار السعادة لابن القيم، قسم السعادة التي تؤثرها النفوس إلى ثلاثة أقسام، سعادة خارجية من مال وملبس ومأكل وزوجة وأولاد وجاه، وسعادة في الصحة والبدن وقوة الجسد والتعافي من الأمراض، وقال عن السعادة الثالثة "هي السعادة الحقيقية وهي سعادة نفسانية روحية قلبية... أما الأولى فإنما تصحبه في البقعة التي فيها ماله وجاهه، والثانية فعُرضَةٌ للزوال والتبدل بنكس الخَلْقِ والردِّ إلى الضعف، فلا سعادة في الحقيقة إلا هذه الثالثة التي كلما طال عليها الأمد ازدادت قوةً وعلوًّا، وإذا عُدم المال والجاه فهي مال العبد وجاهه، وتظهر قوتها وأثرها بعد مفارقة البدن إذا انقطعت السعادتان الأوليتان."فمنبع السعادة كما ذكرت لك هو داخلك، فهناك من خسر كل شيء في حياته ولكنه لم يخسر سعادته، ولم تفارق الابتسامة وجهه، هذا إنسان استطاع أن يدرك حقيقة السعادة وأنها ليست في تلك الأشياء الخارجية وليست في كثرة المال أو التفاف البشر حوله أو الشهرة أو السفر، وإنما يكمن في أعماق الإنسان هذا السر العظيم الذي يحتوي على عالم أوسع وأرحب من العالم الخارجي، فكلما غابت السعادة الخارجية استطاع الإنسان استدعاءها من داخله، فليحدث ما يحدث في هذا العالم لن يحزنني شيء لأن عالمي الخاص هو ما أجد فيه سعادتي الحقيقية، وهذه مقولة شهيرة لملاكم القرن العشرين محمد علي كلاي: "إذا كان بإمكانهم استخراج البنسلين من الخبز المتعفن.. بالتأكيد يمكنك أن تحقق شيئًا من نفسك"، فمهما بلغ توهمك بأنك شخص تعيس قليل الحظ فلن تكون أسوأ من الخبز المتعفن الذي استخرجوا منه أول مضاد حيوي في التاريخ!ليالي الشتاء لا تختلف عن ليالي الصيف، ولكن الذي يختلف هو أنت، قد يصور لك عقلك أشياءً ليست حقيقية فتصدقها وتسير خلفها حتى تصبح معتقدات يقينية داخلك، فكلما رأيت الشتاء يمتد إليك فتتوارى خلف ثيابك الثقيلة وتلتحف الغطاء وتغلق النوافذ، بدأ عقلك في اللعب على مشاعرك بإيقاظ كل ما يمكنه أن يجعلك تشعر بالحزن والكآبة، ولكن الحقيقة أن الوقت لا يملك حزنك ولا سعادتك، فهذه كلها أوهام لا أساس لها، وإنما أنت كل الفصول والشهور والأوقات، فلا تسلِّم نفسك للحزن قربانا وأسعد نفسك بنفسك تجد السعادة بكل الأوقات وفي أي مكان وعلى جميع الأحوال.
مشاركة :