في مجتمعنا حين تحضر المرأة تجد الاختلاف والخلاف دائما حاضرا ولافتا لمستقرئ مكامن الاختلاف.. فهي الدرة المصونة وهي مصدر الفتنة ومنطلق التنازع والخطر.. هي الجوهرة المكنونة وهي منبع الشر في نفس العقول.. قبول ورفض لا تشكل فيهما المرأة إلا أيقونة الإقصاء والتهميش أو الوصاية من الجميع أقصى اليمين وأقصى اليسار.. المرأة في مجتمعنا مازالت تشكّل خصوصية الحضور وخصوصية الغياب.. الغريب في حضور المرأة أن الجدل يأخذ مساحة عالية من الاختلاف الى حد التباين.. في مباراة السوبر السعودية التي أقيمت في لندن بين ناديي الهلال والنصر شكّل حضور المرأة جدلا صاخب العبارات وتنوع الإسقاطات.. كعادتنا في حال حضور المرأة.. في وسائل التواصل الاجتماعي كان الجدل مفعما بخطاب وصاية وتأكيدا أن المرأة ناقصة عقل ودين وأن اللوم على ولي أمرها..؟ خطاب اجتماعي باهت لا يتفق مع حقيقة الدين الإسلامي الذي أكد على مسؤولية العبد رجلا كان او امرأة عما يفعله.. فإن كان حضورها المباراة خطأ من الناحية الدينية فإنها مساءلة امام الله كما تُساءل عن صلاتها وصيامها، وكما يُساءل الرجل عن عباداته وحسن اخلاقه.. وإن كان حضورها خرقا لثقافة اجتماعية محضة فليس من الدين نعتها بتلك الأوصاف القبيحة والتي لا تتفق مع أبسط قيم الإنسان المسلم، ليس من حق أي مخلوق قذف المحصنات لمجرد أنه اختلف معهن في سلوك أو خيار.. الملفت أن المحاذير الدينية تحضر مع إطلالة المرأة وتضعف مع حضور الرجل.. وهذا ليس من ديننا بشيء، فالنصوص القرآنية الكريمة حددت المحرّم بضوابط لا استثناء فيها وحددت الحلال أيضا لا تمييز فيه بين ذكر وانثى.. إشكالية الثقافة الاجتماعية أنها مع طول الوقت خالطت العرف والعادات بالدين الى حد أن أحد الشباب بقصة تشبّه فيها بغير المسلمين وبشعر تم صبغه بشعار ناديه يؤكد في إحدى القنوات أن حضور (الحريم) للمباراة حرام..؟ لو تجاوزت فكر هذا الشاب الذي تشبّع فكره بالتحريم الى حد أنه بكل طلاقة وسهولة حرم حضور المباريات بالمطلق.. فيما آخر رأى أن حضورها في لندن لا بأس به ولكن حضورها في الرياض حرام ولا يجوز..؟ إشكالية أخرى لجغرافية الحلال والحرام التي تشبّع بها فكر الشباب حول قضايا المرأة على وجه الخصوص..؟ لم أكن من المؤيدين لإقامة المباراة في لندن لقناعتي أن من حق القادر على السفر وغير القادر عليه الاستمتاع بمشاهدة فريقه المفضل.. ولكن بعد نهاية المباراة وبروز هذا الخطاب الاجتماعي بمضامينه الفكرية المحلية والتي تداخل فيها الدين بالعرف فتاهت القناعات وكانت فرصة المزايدين في الدين ممن يجيدون القفز من مربع لآخر بحثاً عن مكاسب شخصية أرى أنها وبرمية من دون رام حركت المياه الراكدة.. الأغرب من ذلك أنهم بسرعة وصوت عالٍ لا تردد فيه اتهموا تلك النسوة بالفسق والخروج من منظومة الأخلاق الإسلامية فيما مازالوا مترددين في تحديد هوية فكر الدواعش الذين قتلوا المصلين ونحروا المستأمنين.. في جريمة التحرّش طلبوا من النساء البقاء في منازلهن ونسوا أن القرآن الكريم أكد على المؤمنين غض البصر.. إنها المرأة.. مرعبة في حضورها وغيابها؟ لمراسلة الكاتب: halmanee@alriyadh.net
مشاركة :