ريمون جبارة ملاك المسرح لعبة المرايا في غيابه كما في حضوره..

  • 3/19/2021
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

المسرح.. أو القول الأصح،ريمون جبارة. بين 1935 و2015 مسافة زمنية في المسرح اللبناني عنوانها ريمون جبارة. بين الولادة في بلدته قرنة شهوان والانكفاء الى الصمت الابدي، حضور مليء بالأسئلة الكبيرة وبالعطاء المتوهج ، بالدهشة العالية. المسيرة الإنسانية للممثل والكاتب والمخرج ريمون جبارة تقاطعت مع مسار الحركة المسرحية في لبنان التي بدأت اقتباسًا من المسرح العالمي والمسرح الإغريقي والمسرح الأوروبي، وتوصلت إلى تجاوزها جميعًا، وإلى ابتكار خصوصيتها. العبثية والتمرّد قدر ريمون جبارة، لكنه لم يسجن نفسه في هوّتهما، بل تعامل بسخرية موجعة مع لعبتهما المريرة. تعرف إلى المسرح منذ كان يافعًا في مدرسة بلدته حين أدى دور القاضي في مسرحية «سقوط غرناطة»، لكنه كتم شغفه بهذا الفن سنوات إلى أن التحق بـ«معهد التمثيل الحديث» الذي أسسه المخرج منير أبو دبس في العام 1960. وبعد سنة أدى دوره التمثيلي الأول «كريون» في مسرحية «أنتيغونا»، ثم دور «أجست» في مسرحية «الذباب» وكلتاهما من إخراج منير أبو دبس. لمع في دور «ريتشارد الثالث» في المسرحية التي تحمل الاسم نفسه والتي أخرجها أنطوان ملتقى، ثم في مسرحية «الزنزلخت» من تأليف عصام محفوظ وإخراج برج فازيليان، وفي «وصية كلب» المقتبسة التي أخرجتها لطيفة ملتقى. وتتالت أدواره التمثيلية في مسرحية «عرس الدم»، وبعدها في «الجريمة والعقاب» (1963)، تحت إدارة أنطوان ملتقى، وارتقى إلى ذروة الأداء حين أدى في العام 1965 دور الخادم في مسرحية «لعبة الختيار» المقتبسة والتي أخرجها برج فاديليان. في العام 1970، انتقل إلى التأليف والإخراج، فقدّم أول أعماله «دسدمونه» وهي مسرحية مقتبسة طبعها بنزعاته الذاتية وبما فيها من تهكم وسخرية ورفضٍ، وحمّلها نقدًا لاذعا للانسان «الضحية الغبية» في ظل الأنظمة العربية والدولية. بثّ ريمون جبارة في مسرحه كمية كبيرة من الإرث المسرحي الكلاسيكي، لكنه أضاف إليها من إحساسه الذي ينقر على وتري الشك والثورة، في إخراج يستوعب محصلاتهما، ويعكس حركية الحياة المستمرة. من الاقتباس إلى الإخراج في مسرحية «تحت رعاية زكور» (1972) بدا متفلتًا من الاقتباس، وبرزت موهبته الفذّة في الإخراج، ورؤيته لواقع الإنسان في المجتمعات العربية. وهذه الرؤية توسلت السخرية الموجعة للإضاءة على الأشخاص. وقد أسست المسرحية لنقلة نوعية في مساره الإخراجي. سعى لخلق رؤية فنية تتخطى التقليد: لغة مسرحية نقية، وتجسيد مرئي للنص، يحوّل الكلمة إلى حركة، والحركة إلى قبضة مشتعلة وكتلة لهب محملة بقيم المحبة والعدالة. «المجنون» كما وصفه أحدهم إتجه إلى شمولية الرؤيا لبناء لوحات حيّة ونابضة في تشكيل مسرحي مشهدي مركّب وصادق. وإذا كان المسرح «هو المكان الذي يمكننا أن نذهب عبره إلى أبعد ما يمكن» كما قال يومًا المخرج منير أبو دبس، فإنّ ريمون جبارة جعل من المسرحية جسمًا حيًّا، متحركًا، يتطور من خلال الشخصيات وأدائها. فقد عكف على تقصّي الملامح النفسية للإنسان، ونقلها إلى المدى الأكثر رحابة، إلى مسرح يتصارع فيه القدر والأمنيات، عبر شخصيات خلقها، وشاطرها المعانـاة والآلام، متيحا لها أن تعيش جملة ولادات في عرض واحد يرتقـي إلى مستوى مذهل. تلاقى مسرحـه مع فكرة المخرج المسرحي المصـري ألفريد فرج الذي قـال: «الفـن الفارغ لا يعدو كونه «لا فـن»، وعالـج في مسرحياته مواضيع إجتماعية تتناول أصحاب المراتب والسلطة، ساعيا إلى هدم الأساطـير وردّ الاعتـبـار إلى الواقع. شدّد في أعماله على هاجس ما ورائي عميق، متوسلًا اللعبة المسرحية للكشف عن الحقائق ذات الصلة المباشرة بالذات الإنسانية، من خلال أدوار تتآلف في أوركسترا الكلام والصمت، وتنصهر في بوتقة البحث عن المصالحة مع الذات المشتتة تحت معاطف مجريات الأيام. -لعبة المرايا- رؤيته للدور الشمولي للمسرح دفعته إلى المزيد من اللعب بين الخيال والواقع، في ما يشبه لعبة مرايا، ترصد اللاعب لحظة نزعه قناعًا ليضع قناعًا آخر. لحظات صدق تتالى، لا تحسم الجدل حول الشكوك والهواجس التي تغطي الحياة، لكنها من فرط شفافيتها تصبح قابلة للإدراك ومحرّضة على التغيير، من دون مواعظ. غياب ريمون جبارة، هو مفترق تاريخ، حيث يتقاطع الماضي والمستقبل، هو انعطاف نستشف من خلاله مجمل الأوقات المضيئة في حياة هذا المبدع، حيث كان كل تقدم خطوة بل معلمًا: في منتصف الستينيات كان مقتبسا، في السبعينيات تنامت لديه رغبة الحداثة ونزوة التمرد في خطوة نوعية على مستوى الرؤيا والدلالات، وفي الثمانييات ضربت الهوية الذاتية جذورها في الإرث اللبناني، وفي التسعينيات وما بعدها ارتفعت تلك الهامة وتكاملت في هاجس الأسئلة والتمزق والرفض. هذا الذي تمنى أن «يموت وهو نائم»، غاب وهو متصالح مع نفسه كما مع الحياة، وكأنه أبرم معها عقدًا وفاقيًا. نبراته التي تنامت وهي تستهدف التغيير، عادت هادئة تكشف عن غنائية جريحة منقادة لضرورات جسدية، وانتهت كنشيد حزين لا مجال معه للمناورة. أعماله: «لتمت دسدمونة» (1970)، «تحت رعاية ذكور» (1971)، «شربل» (1977)، «زرادشت صار كلبًا» (1978)، «محاكمة يسوع» (1979)، «قندلفت يصعد إلى السماء» (1980)، «ذكر النحل» (1983)، «صانع الأحلام» (1985)، «من قطف زهر الخريف» (1992)، بيكنيك على خطوط التماس» (1997)، «مقتل إنّ وأخواتها» (2012). أخرج للأخوين رحباني «المؤامرة مستمرة» (1980) ولمنصور الرحباني «صيف 860». أعاد عرض «زرادشت صار كلبًا» و«شربل» مع جيل جديد من الممثلين. وأخرج مسرحيات لصديقه الكاتب أنطوان غندور: «يوسف بك كرم» و«طانيوس شاهين» و«نقدم لكم وطن». ترأس مجلس إدارة تلفزيون لبنان، وتولى فيه منصب المدير العام أيضًا (1986 – 1990). درّس مادتي التمثيل والإخراج (1969 – 1990) في معهد الفنون الجميلة في الجامعة اللبنانية، وكذلك في جامعة الكسليك حيث لم يتوقف عن التدريس فيها إلا في الفترة الأخيرة من حياته. كلما أمعن بالغياب يحضر أكثر ملاك الدهشة والمسرح ، ريمون جبارة. Related Posts One Response to ريمون جبارة ملاك المسرح لعبة المرايا في غيابه كما في حضوره.. محمد درويش الاعلامي الشاعر رد 19 مارس, 2021 at 12:10 م ريمون جبارة الرائد في العمل المسرحي اللبناني العربي باعث النهضة في الحداثة المسرحية الاستاذ في مجاله السياسي الانسان الكبير في عمله عاش فنانا ومضى الى حياة ابدية ترك بصماته على كافة الفنون المسرحية في لبنان خاصة في صفوف المسرحيين الشباب شخصية متزنة كاملة الاوصاف ..لقد ابدع الشاعر اسماعيل فقيه في الكتابة عن تاريخه المسرحي انه بما كتبه انما يعطيه حقه الكامل من الاحترام والاعتبار والتأييد مااحوجنا في مسيرة الفن والثقافة في لبنان الى كاتب من وزن فقيه ومسرحي من وزن ريمون جبارة كي نستعيد الزمن الذي مضى فلقد اشتقنا لخشبة المسرح وللرجال الر جال في عالم الفن والمسرح والشعر والسينما والثقافة متى تطلع الشمس من يدري لعل مقالة الاديب الناقد الشاعر الجميل اسماعيل فقيه اليوم تؤسس لزمن قادم من يدري لعل الآتي أجمل وأبهى صورة …

مشاركة :