النّص الإبداعي.. الورطة المشتهاة

  • 11/27/2020
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

واحد من أهم مقومات الفعل الإبداعي ديمومة الحركة، أو قل تشبثه بكل ما أو مَن يتصل به ويتماهى معه، بعض النتاجات الإبداعية مهما تنوعت محتوياتها لها تلك القدرة الممتدة التي تجعلك تغلق ديوان الشعر، تغادره جسدا، لكنك ما تزال محلّقا في فضاءات قصيدة حسناء، راودتك ولما تغب عن عينيك وروحك، تقلب الصفحة الأخيرة من رواية، فتطالعك وجوه شخصياتها مشتاقة راجية معاودة التذكّر، تخرج من مشاهدة فيلم أو مسلسل، وتمضي بك الأيام وما تنفكّ ترى المؤدين حكاياتٍ تطرق أذنك أو شخوصا يسيرون حولك، يغمزون ويتغامزون، إنها الهيمنة المرجوة، والشباك التي نقتحمها طواعية مرتضين الأسر اللذيذ، والورطة المشتهاة.أذكر حين قرأت للمرة الأولى رواية الأديب الراحل نجيب محفوظ «خان الخليلي» أتممتها بعد أسبوع من القراءة، استحلت إلى كائن يمكنه التجول مع الشخوص في الحارة، والنظر من النوافذ إلى الطرقات المكتظة، اتخذت مكانا في المقهى، وتابعت الصبايا «بالعبايات اللفّ» يمرقن كالغزلان أو كالأفراس -كما يعبر محفوظ- ومع امتداد السنين وتواليها، ما يزال وجه أحمد أفندي عاكف «بطل الرواية» حاضرا بكل ما يرتسم عليه من ملامح وتجاعيد، بل تكاد تنهيدات الحبّ -الذي تولّى- تحرك ستائر نافذته وأنا أجلس إلى جوارها تتملكني الحيرة والحزن في آن.ومن منّا لا يتذكر المشهد الأخير في فيلم الكيت كات، للعبقري محمود عبدالعزيز مع ابنه، وهما يغنيان وجع الناس وآلامهم، ثم يضحكان بسخرية طاغية على كل شيء، لقد رسمت الأعمال المبدعة طريقها في وجداننا عبر معمارها المشيّد ودلالاتها الموجهة المقاربةِ حياتَنا، فعاشت معنا، وما استطعنا الفكاك منها أو عنها، وهي طبيعة النصوص الإبداعية انساقا وسياقات، تتآز بناها الداخلية والخارجية فتتشكّل لوحات فنية «واللوحات نصوص أيضا» تنسج تكويناتها عبر وعينا المدرك والباطن معا، لنجد ذواتنا سائرة إلى مراداتها غير غافلة عن لذة الانجذاب، ولا متعة أن تصلها مذاقات التلقّي مهما تنوّعت، يبدو أن طول عمر الأعمال الإبداعية مرهون بمنشئها الأول، حين تبرز بوصفها أفكارا، ثم لا تلبث أن تصير حالات شعورية مرسومة أو مغناة أو مؤداة على خشبة مسرح.

مشاركة :