في حقل الشعرية ونظريات الخطاب

  • 11/27/2020
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

من كلية الآداب ظهر المهراز بمدينة فاس العاصمة العلمية للمغرب، نالت الشاعرة الباحثة المغربية صباح الدبي الخميس درجة الدكتوراه، وتمت إجازة الأطروحة بميزة مشرف جدًا مع تنويه خاص من أعضاء اللجنة العلمية التي ناقشتها وضمت الأساتذة الدكاترة:  عبدالرزاق صالحي "رئيسًا"، وجمال بوطيب "مشرفًا"، وعبدالسلام المساوي "عضوًا"، ورضوان الخياطي "عضوًا"، وحسن مخافي "عضوًا".   وكان موضوع أطروحتها "المتخيل في الشعر النسائي العربي المعاصر: استراتيجية للكشف والتأويل".  ويثيرُ موضوع هذه الدِّراسة سؤال المُتخيَّل، وطرائق اشتغاله في الشعر النسائي العربي المُعاصِر، إذ يبحث من خلال نماذج من هذه المُدوَّنة الشعرية، مُحتَملات انبنائه، وأنساقَه ومُمكناتِه المُرتقَبة التي يمنحُها الاشتغال النَّصي للظاهرة الخيالية. وتقول الباحثة صباح الدبي: لم يكن اشتغالي على هذا الموضوع مُرتهِنًا بما يطرحه ارتباطه بالمنحى المفهومي لهذه الكتابة، وما صاحب قضيتها المصطلحية من أخذٍ وردٍّ، وإنما كان همُّنا انكفائيًا محضًا يُراهِن على البُعد الجوهري للانبناء الشعري في هذه الكتابة، ويبحثُ أنساقها المُحتَملَة التي يُفجِّرُها التخييل. ومما لا شكّ فيهَ أن أهمية هذا الموضوع تتأتَّى من حاجةٍ مُلحَّة إلى إحداث تراكُمٍ قِرائي نوعِي ينكفئ على المُنجز الشِّعري للمرأة المُبدِعة من منافِذ مُغايِرة، بعيدًا عن المساعِي التصنيفية التي جعلته حبيسَ النظرة التجزيئية. وتضيف الدبي قائلة: إن البحث في المُتخيَّل بما يمنحه من إمكانات لا محدودة تتناغم مع طبيعة الاشتغال النَّصي التخييلي، يمنحنا إمكانية اختبار فرضية "التَّعدُّد" التي تنخرط فيها النُّصوص بما هي ولادات مُتجدِّدة تنفلتُ من كُلِّ تحديد نمطِي، بشكل يُصبِح معه التحديدُ المِعياري لِسِمات النَّوع، وقَسماتِ الخصوصية، ومُهيمِنات الموضوع أمرًا صعبَ المنال أمام ما يمنحه المنحى الانبثاقي للنَّص الشعري في وُجوده المُتخيَّل. هذه الإمكانات التوليدية التي يمنحُها البحث في المُتخيَّل، والتي ظلَّت معظمُ آلياتها مرتبطةً بجنس السَّرد، لم تُستغل بالشكل الكافي في مُعظم النُّقود التي تناولت المُعطَى النَّصي الشِّعري للمرأة المُبدعة، إلا ما جاء منها في مقالاتٍ ومُتابعات لم تنل حظَّها من الإحاطة الكافية والشُّمولية؛ إذ ظلت مُعظم الدِّراسات مَعنيةً بالتَّحدِيد النَّوعِي، وبالمناحِي الموضوعاتية التي تبحثُ عن سِماتٍ خاصة تنسحِب على مُجمل المُنجز الإبداعِي، دونما انخراطٍ جادٍّ في كشف الطَّابع الحيوي والدِّينامِي الذي يُوجِّه حركة شبكات الصُّور، وطبيعتها الانبثاقية الجوهرية. وعن دواعي اختيارها هذا الموضوع لأطروحتها لنيل الدكتوراه تقول الدكتورة صباح الدبي: يعود ذلك إلى انخراطنا في عُمق الممارسة الشعرية، وإلى انشغالنا بالهمِّ الثقافي الذي تُعدُّ التجربة الشعرية أحدَ مُكوِّناته الأساسية، هذا فضلًا عما يثيره مُنجز المرأة الإبداعي من ردود فعل متباينة حول طبيعته وقيمته وخصوصيته، وما يرتبط به من مُقاربات من شأنها إحداث تراكُمٍ قِرائي مُتنامِي ينشغل بجوهر المُنجز الشِّعري للمرأة المُبدِعة بعيداً عن كل انحسارٍ ضيِّق ، يُطوِّق المُنجز بحدود موضوعاتية، أو جنسانية، أو خارج نصِّية جاهزة تعمَى في كثير من الأحيان عما تحتمِله النُّصوص من طاقة انبثاقية هائلة يتخلَّق فيها الكون الشعري باستمرار.  وتضيف الدبي بأنه فضلًا عن ذلك، ارتبطت الرؤى القِرائية في كثير من مُحصِّلاتها بالنزوعات الاستعارية والبلاغية والشكلية البنيوية، التي فصلت في كثير من الأحيان الوجود النَّصي الشِّعري عن الذَّات الكاتبة، وعن وُجودها المُتخيَّل الذي تخلقه الأنا عبر الاشتغالات الترميزية، وعبر أشكال تعاطِي الذَّات الشَّاعرة مع وجودها اللغوي الذي يحيا بالتخييل، ويتخلَّق من خلال مُتخيَّلاتٍ تتوالد وتتناسل وتؤثِّث الوجود النَّصي.  وتؤكد الباحثة في أطروحتها أن هناك دواعِي أخرى حفزتها لكشف حركة هذا الكون النَّصي المُتخيَّل في نصوص الشاعرات موضوع الدرس، ومنها:  أن نفتح منافذ جديدة للاشتغال على المُنجَز الشعري للمرأة المُبدِعة من شأنها أن تقودنا إلى أكوان مُتعدِّدة، يخلقها الجوهر الانبثاقي لشبكات الصور.  وأن نتتبع أشكال تبنيُن الأنا الشِّعري وهو يتخلَّق عبر شبكات الصور، وعبر ما يمنحُه المُتخيَّل من طاقة هائلة تهدِم لتبني، وتبني لتهدِم في الآن نفسه. وأن نبحث عن التَّعدُّد المُحتَمل المُنبثق من أحادِية مُفترضة تُطوِّق المُنجز الشِّعري للمرأة المُبدِعة. وأن نُسائِل من هذا المنظور الحيوي، الأنوية الجوهرية التي توجِّه المرجعيات الأساسية لهذا المُتخيَّل. أن نتتبع أنماط اشتغال المُتخيَّل في المُنجز الشعري للشاعرات، وما تتفرع عنه شبكة الموضوعات من انبثاقات نصِّية يكشفها المنحى الدِّينامي لشبكات الصور، بعيدًا عن كلِّ تكرارٍ مُفتَرض. وأن نُسائِل المُكوِّنات التخييلية في المُنجز الشعري للمرأة المُبدعة، وطرائق قول الأنا المُتعدِّدة، تلك التي يتبنينُ من خلالها الفردي، والجماعي، والذَّاتي، والغيري في سَمْتٍ يمتحُ طاقته المُتحوِّلة من تشكُّلاته النَّصية المُتجدِّدة. أن نُقارب أشكال اشتغال هذا المُتخيَّل، ليس بوصفه ناظِمًا فقط للخطاب، وإنما جوهرًا مؤثِّثًا لكليته التي يتقاطع فيها الموضوعاتي، والبنائي، والفضائي في تجاذُبٍ وتنافر، وتقاطُع وتوازٍ لا يكفُّ عن التشكُّل. وانطلاقا من إشكالية البحث بما تستدعيه من أسئلة مُركَّبة، ومن قضايا مُتداخلة يتقاطع فيها المعرفي بالمنهجي، والتِّيماتي بالجمالي، سعينا إلى تتبُّع تشكيلات المُتخيَّل، وآليات انبنائه في كتابة شعرية نسائية مشروطة بكينوناتها، وبذواتها وتصوراتها للذات وللآخر وللعالم، وحرصنا على أن يكون اشتغالنا على الخطاب في كُليته وهو يتخلَّق من سيرورة الشبكات الصورية. وكان هدفنا اختبار فرضية التعُّدد لمُتخيَّل شعري نسائي يتكاثر من أحاديته، ويتحوَّل ويتجدَّد تبعاً لما تقتضيه دينامية التخييل.  إن رهاننا ونحن نجوبُ عوالم هذه النُّصوص، هو القبض على الأنوية الرَّحِمية التي تتشكَّل منها ملامح هذه المُتخيَّلات، والتي تُوجِّه مرجعياتها وأنساقها البانية في كُليتها وشموليتها، بما يضعنا أمام خطابٍ شعري مُتعدِّد الأنساق تُفرزُه كينونات أنثوية مُتعدِّدة، وأنواتٌ لا حصر لها يخلُقها الاشتغال الدِّينامي للفعل التخييلي.  وتشير الباحثة إلى أن أطروحتها تميلُ إلى طرح التَّعدُّد والانبثاقية، بما هو وجود مأهول للنَّص بمُحتَملاتٍ ومُمكناتٍ لا تتوقَّف عن التَّوالد، ومن ثمَّة، نكون إزاء مُتخيَّلاتٍ شبكية يخلقها الانبناء النَّصي الصُّوري، كما تخلُقها القراءة في الآن نفسه، بل إن الترسيمات والمُوجِّهات الكُبرى للأنساق الخيالية، رغم مشروعيتها الإجرائية في تثوير مُتخيَّل هذه الكتابة، لا تصمُد أمام انفلات المُتخيَّل الشِّعرِي وهو يُعلن في كل اشتغالٍ نصِّي عن حياته الجديدة. وبذلك، تنتقلُ هذه الكتابة في نسج مُتخيَّلها من المُحدَّد إلى اللانهائي، ومن المعلوم إلى المجهول، ومن المِعياري إلى المُمكِن والمُحتَمل.     وتستطرد الباحثة قائلة إنه لا يخفى على الباحث في حقل الشِّعرية ونظريات الخطاب، أهمية ما طرحته المباحث المُهتمَّة بالمُتخيَّل الشِّعرِي، وما فتحته من آفاق قرائية جديدة، تُسائل المُعطَى النَّصِّي الإبداعي بوصفه سيرورة حياة، وحالة تجدُّد مُتواصلة، لذلك، كان اشتغالنا مُتكئا على ما تمنحه نظرية المُتخيَّل من إمكانات معرفية ومنهجية، تتجاوز المنزع البلاغي والبُعد الاستعاري، وما يرتبط بأفعال الاستعادة وإعادة الإنتاج، حين يتعلَّق الأمر بالظَّاهرة الخيالية، وتركن خلافاً لذلك، للنُّزوع الحيوي الذي يجعل من المُعطَى الإبداعِي كوناً لا يتوقف عن التَّوسُّع في مجرَّة لا متناهية. وبناءً عليه، كان اهتمامُنا بالمُنجز النَّصي الإبداعي للشاعرات قيد الدَّرس، معنيًا بكشف هذه الحيوية التي من شأنها أن تُلغِي كل نزعة تصنيفية معيارية ونمطية، والتي بمقدورها كشف راهنية شبكات الصور، وأفقها المفتوح على التَّجدد المستمر، مستأنسين بالمناحِي الإجرائية والمنهجية التي أثارتها نظريات تحليل الخطاب، وعلم النَّص وشعرية الإيقاع، والطُّروحات الظاهراتية التي تبحث الوضع الأنطولوجي لتجليات الظاهرة الخيالية عبر هويتها وكينونتها الشعرية.وعن المتن، ونوعيته، وطرائق تدبيره تقول الباحثة إنه لما كان مسعانا القرائي يرومُ تتبع المُنجز الشعري النسائي العربي، وكشف أنماط اشتغال مُتخيَّله، جعلنا المتن المدروس مُرتبطاً بالتجربة الشعرية النسائية، وكانت نِيَتُنا في البداية مُوجَّهةً للاشتغال على متنٍ شعري نسائي واسع، بالنظر إلى أن غاية البحث تتجه في مسار مُساءلة الشعر النسائي العربي المُعاصِر، لكن مع توالي القراءات ومع تقدُّم أشغال البحث، ارتأينا حصر المتن في أربع تجارب تُمثِّلها كلٌّ من: بهيجة مصري إدلبي، وروضة الحاج، وأمينة المريني، وميسون صقر، وقد راعَينا فيه امتداده الجغرافي بين المشرق والمغرب، وتمثيليتَه القُطرية لبلاد الشام والسودان والمغرب والخليج العربين، بالنَّظر إلى ما لِخُصوصيات المكان والثقافة والمرجعيات والأوضاع العامة المُؤثِّثة لوجود الذّوات في مجال مخصوص، من أثرٍ واضح ينسرِبُ إلى الأعماق القصيَّة من الذَّوات المُبدِعة، ويؤثِّث بشكلٍ ضمني تنويعات المُتخيَّل، وقد جنَّبَنا تضييقُ المتن ما قد تقودُ إليه القراءة من شتات، لاسيما وأن النًّص الشعري مٌهيَّأ بطبيعته للانبثاق الصُّوري المُتواصِل الذي لا يمكن لهذه الدِّراسة، رغم انحسار متنها، أن تُجاريه على المُستوى القرائي، ليظلَّ مُعدّاًّ باستمرار للانكتاب الجديد عَقِب كل تأويل قرائي جديد. اخترنا أن تكون عيِّنة المتن مُنتمية لتوصيف المُعاصَرة من المنظورين الزَّمني والشِّعري، وحرصنا على أن تكون متنوِّعة من حيث حساسياتُها وأساليبُها الجمالية وهُوِياتُها النَّصية ومرجعياتُها الكتابية، ليتَّسع مجال اشتغالنا، ولتتكشَّف زواياها المُتعدِّدة والمُوجِّهة لآليات اشتغال الشبكات الصورية، ولأنماط تنبيُن المُتخيَّلات، إذ سيقودنا هذا التنويع النَّصي إلى مداخلَ مُتناسِلة تفتحها هذه المُتون تبعاً لتصوراتها وهوياتها النصِّية، وتجعلنا ننفذُ من خلالها إلى ما تحجُبه عوالمها المُتخيَّلة، وما تكشِفه عبر انبنائها النَّصي في نَسقِيته التي يتعالق فيها الموضوعي بالمرجعي، والأوطوبيوغرافي الشخصي بالذاتي الجماعي والغيري، والفضائي العام بالمكاني الشخصي، والإيقاعي الذَّاتي بالبصري النَّصي. 

مشاركة :