من خلال عملي في قطاع السياحة والضيافة في مملكة البحرين على مدى الأعوام العشرين الماضية، أستطيع القول إن هذا القطاع يشهد تطورا وازدهارا متناميا ويحقق معدلات أداء جيدة تتصاعد عاما بعد عام، اعتمادا على مؤشرات تزايد أعداد السياح سنويا وارتفاع مدة بقائهم في المملكة ومستويات إنفاقهم، إضافة إلى زيادة عدد المنشآت السياحية وتنوع خدماتها. لكن مسيرة الازدهار تلك تعرضت بلا شك لنكسات عديدة خلال تلك الفترة لأسباب داخلية وخارجية متنوعة، وسرعان ما تجاوزتها، وصولا إلى ما يمكن أن أسميه «نكبة كورونا» الحالية، التي تختلف عن جميع ما سبقها، والتي أصابت قطاعات السياحة والسفر في البحرين والعالم في مقتل، وصعبت كثيرا إمكانية النجاة إلا لأولئك الذين يعرفون كيف يصمدون ويبتكرون في تدبير أمورهم، خاصة وأنا بدأنا بالفعل نتلمس ضوءا في نهاية النفق مع ثبات فاعلية لقاح كورونا وبدء الاستعداد لتوزيعه في دول كثيرة حول العالم. واسمحوا لي أن أقدم مرئيات أو أفكارا أو ربما نصائح نابعة من رؤيتي لتطوير قطاع السياحة في مملكتنا العزيزة، في مقدمتها أن نضع رؤية موحدة وخريطة طريق نقرها جميعا ونكون نحن والحكومة متفقين عليها، وتكوين لجنة مشتركة تحت مسمى «السياحة والمستقبل»، تجتمع هذه اللجنة كل ثلاثة أو ستة أشهر لتقييم أوضاع قطاع السياحة في البحرين، وتجاوز التحديات والبناء على النجاحات، وإشراك جميع الجهات المعنية بقطاع السياحة في رسم مستقبل القطاع مثل هيئة البحرين للسياحة وهيئة البحرين للثقافة وحتى وزارة الصحة (السياحة العلاجية) ووزارة التربية والتعليم (السياحة التعليمية)، كما أنه يجب أن يكون هناك قواعد واضحة نؤسس عليها عملنا، ويعرف كل منا مهامه ودوره في إطار عمل الفريق ككل. من الأفكار والمرئيات أيضا هو اعتقادي أنه يجب علينا كمستثمرين في قطاع السياحة أن نتفاعل مع بعضنا البعض بشكل حضاري، لا أن نكرر ما نراه نجاحا، وأن نقدم أفكارا جديدة تميزنا عن باقي الموجودين في السوق، وحتى المنطقة ككل، وعلينا أن نعطي شواطئنا اهتماما أكبر، وأمامنا بلدان يجب أن نأخذها كمثال مثل المالديف وسيشل وهايتي والكثير من جزر الباسفيك، حيث تعتمد اقتصاديات هذه الدول في معظمها على السياحة، ويجب أن نعمل على توطين التقنيات الحديثة مثل الذكاء الصناعية والحوسبة السحابية وانترنت الأشياء في قطاع السياحة. إضافة إلى ذلك يجب أن يحكم التعامل بين المنشآت السياحية والجهات الحكومية بعلاقة الشراكة والتعاون المثمر المتبادل، وليس الجنوح إلى ارتكاب التجاوزات، والخوف من العقاب، كما يجب توجيه المزيد من الدعم الحكومي لمنشآت القطاع السياحي من خلال صندوق العمل «تمكين» أو غيره من أوجه الدعم، حتى تتمكن تلك المنشآت من البقاء في السوق، ويجب إيجاد آلية دائمة لاستقطاب الموهوبين والفنانين من جميع أنحاء العالم، وتشجيعهم على البقاء في البحرين من خلال منحهم تسهيلات وامتيازات إقامة وغيرها. وفي رأيي أن ما يجب فعله قبل أي شيء هو أن تتضافر جهود المستثمرين في القطاع مع الحكومة من أجل الحفاظ على سريان الدم في شرايين منشآت هذا القطاع وإن كان في أدنى رمق، والحرص على عدم موتها وخروجها من السوق، وذلك حتى نتمكن من إعادة الحياة إليها بعد انقضاء الجائحة. وحسنا فعل مجلس التنمية الاقتصادية بوضع القطاع السياحي ضمن القطاعات الخمس الأساسية المستهدفة بالنمو، ورغم أن جائحة «كوفيد-19» خلطت الأوراق وكانت فرصة لنمو قطاعات مثل تقنية المعلومات والاتصالات وتقهقر قطاعات أخرى مثل الضيافة، إلا أن البحرين ستبقى على الدوام ملجأ سياحيا لكثير من السياح حول العالم، وعلى وجه الخصوص السياح من المملكة العربية السعودية الشقيقة، وأتوقع في هذا السياق زيادة وتيرة توافدهم إلى البحرين بعد رفع ضريبة القيمة المضافة في السعودية إلى 15%، حيث باتت أسواق البحرين أكثر جاذبية لهم. وفي ما يتعلق بأبرز المقومات السياحية التي تحظى بها المملكة والتي من الممكن أن يتم استغلالها يأتي على رأسها الانفتاح الثقافي وروح التسامح والود الظاهر على وجوه وفي قلوب البحرينيين ركيزة أساسية في الترويج السياحي، إضافة إلى الأمن والأمان الذي يعم المملكة، وقيادة السيارة دون إزعاج أو ازدحام تشهده في شوارع عواصم عربية وأجنبية أخرى، وسهولة الإجراءات في اجتياز المطار أو الميناء، والتآخي الديني في سوق المنامة حيث المسجد والمأتم والكنيسة والكنيس والمعبد في شارع واحد، كل ذلك وغيره مقومات سياحية يمكن استثمارها. ولعل هنالك العديد من الدلائل الواقعية التي تعزز من التوقعات بشأن أن يتضاعف حجم الإقبال على السياحة الفندقية في البحرين بعد إعادة فتح جسر الملك فهد، خاصة من قبل الأشقاء في المملكة العربية السعودية والكويت والإمارات، فالناس في هذه الدول اعتادوا على تخصيص ميزانية للإنفاق السياحي سنويا، وهذه الميزانية لم تصرف هذا العام، إضافة إلى موضوع ضريبة القيمة المضافة في السعودية الذي أشرت إليه سابقا. لكني، وكرجل علاقات عامة وإعلان، أؤكد أنه من الخطأ توجيه رسالة واحدة لجميع فئات الجمهور، بل علينا أن نكون انتقائيين في الترويج للقطاع السياحي في البحرين، فسائح المقاهي والترفيه يختلف عن سائح الثقافة والتراث، وما يهتم به السائح الكويتي من مقومات سياحية لدينا يختلف عما يهتم به السائح البريطاني مثلا، كما أن حجم إنفاق السائح الذي يتابع سباقات الفورمولا في البحرين أكبر نظريا من حجم إنفاق السائح الذي يأتي إلينا من أجل متابعة أفلام السينما. وأعتقد أن أهم التوصيات والنصائح السياحية التي يحتاجها الشركاء والقائمين على القطاع السياحي في هذه المرحلة هي بأننا بحاجة ماسة لأن نبقى في السوق حتى آخر نفس وأن نواجه التحديات بكل طريقة ممكنة، ورغم إدراكي لحجم الخسائر الهائلة التي منيت بها منشآت القطاع السياحي خلال الأشهر الماضية إلا أنني أؤكد أنه يجب على تلك المنشآت التحلي بالصبر وتجنب الجشع مع إعادة الفتح الجزئي لبعض أنشطتها، حتى نتمكن جميعا من التعافي بهدوء وثقة. - رئيس مجلس إدارة مجموعة بروموسفن القابضة
مشاركة :