الناقد حسين حمودة لـ«الاتحاد»: الوسائط الحديثة زحزحت «كهنوت» المؤسسة النقدية!

  • 11/29/2020
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

الناقد والأكاديمي المعروف د. حسين حمودة، واحد من أهم الأصوات النقدية العربية في العقدين الأخيرين، فبهدوئه المعتاد ونبراته الرصينة عُرف كأحد أبرز النقاد المصريين والعرب وأكثرهم نشاطاً وحيوية وهو يمارس بكفاءة ودأب مهامه النقدية والأكاديمية منذ ما يزيد على ثلاثة عقود في مصر وخارجها، عبر المشاركة في الفعاليات والندوات والمؤتمرات النقدية والعلمية في الجامعات العربية والغربية على السواء. ومن أهم أعماله كتابه المرجعي عن «الرواية والمدينة نماذج من كتّاب الستينيات»، وكذلك كتابه عن «متصل الزمان المكان في روايات نجيب محفوظ»، وكتابه الآخر «ميادين الغضب قراءات في روايات مصرية وعربية».. إلخ. وأثناء إجراء هذا الحوار صدر قرار بتوليه رئاسة تحرير المجلة النقدية العريقة «فصول» وهي «بيته الأول»، حيث عمل مديراً لتحريرها لما يقرب من عشر سنوات. * وكان سؤالنا الأول حول ما يقوله البعض من أن هناك نقداً يتشكل خارج الدوائر الأكاديمية موجهاً للقارئ العام ويغزو فضاءات مواقع التواصل الاجتماعي «السوشيال ميديا»، ولكن ينظر إليه بعض النقاد بلامبالاة ولا اكتراث وبعض آخر ينظر إليه بتعال ورفض، فيما يقبل عليه عدد كبير من القراء البسطاء ورواد «السوشيال ميديا».. وجاءت إجابته لتوضح وتضيء جوانب من هذا السؤال الإشكال، حيث قال: ** هذا السؤال المهم يلتقط ظاهرة أصبح لها حضور لافت في الواقع الأدبي العربي، وربما الإنساني، خلال العقدين الأخيرين. نعم نحن نشهد مؤخراً نقداً يتشكل خارج الدوائر الأكاديمية، ويلقى انتشاراً واسعاً. وهذا النقد يختلف عن النقد غير الأكاديمي الذي كان له وجود مشهود خلال العقود التي سبقت وتلت منتصف القرن الماضي، وارتبطت بأسماء نقاد عرب مهمين. * واستوضحته: وما أبرز وجوه الاختلاف بين النقدين، إذا جاز التعبير؟ ** الاختلاف بين هذا النقد وذاك يتصل بالمساحة الواسعة من الحرية التي أتاحتها وسائط الاتصال الحديثة لكل من يستخدمها، وبالطرائق التي اختصرت أدواراً كانت ترتبط بالنشر الورقي (ومنها أدوار تتصل بالرقابة ومساحة الحرية). * وفي هذا المقام، ما رأيك أولاً في هذه الظاهرة وتوصيفك لها أو تصورك لمآلاتها في ما هو قادم؟ ** فيما يخص هذا النقد «الجديد»، الذي ينظر إليه كثيرون بنوع من الرفض أو التعالي أو اللامبالاة، يمكن التمييز فيه بين مستويات متعددة، ومتفاوتة القيمة.. فبعضه يحمل قيماً كبيرة، وبعضه يرتد إلى مرحلة مبكرة في النقد، حيث كان الاهتمام مقصوراً على إصدار الأحكام الجزئية التعميمية.. إلخ. ولكن المؤكد أن هذا النقد، المرتبط بوسائط الاتصال، استطاع أن يزيح الكثير من «كهنوت» المؤسسة النقدية، وأنه يستحق الاهتمام به ومتابعته، وتنمية ملَكات أصحاب المواهب فيه، وسيساهم هذا كله، طبعاً مع عامل الزمن، في «غربلة» هذا النقد، والتمييز بين مستوياته، وسيبقى منه ما يستحق البقاء، أي أن مآله سيتحدد تبعاً لعوامل متنوعة. * لعلك من أكثر النقاد قرباً من نصوص نجيب محفوظ ومعايشة لها.. وأعلم أن لك مقاربة رائعة لبعض نصوصه المكثفة القصيرة الأخيرة قبل وفاته قيد النشر. فهل توجز لنا بعض القول النقدي فيها؟ ** صدرت هذه النصوص، أو صدرت الأعمال التي انتظمتها، في تواريخ مختلفة. «رأيت فيما يرى النائم» نشرت عام 1982، و«أصداء السيرة الذاتية» صدرت عام 1995، و«أحلام فترة النقاهة» بدأ نشرها عام 2000. ورغم أن قراءة كل نص من هذه النصوص يمكن أن تغتني بالنظر إليه في سياقه الذي بزغ فيه وانتمى إليه، فإن قراءة كل نص مستقلاً عن هذا السياق ممكنة أيضاً. فنحن، إذن، إزاء ما يوصفه ويصنّفه البعض، بأنه نوع من «جدل الوحدة والاستقلال»، أو «المراوحة بين المركزية والتبعثر»، وهذا يعني، بكلمات أخفّ وطأة، أننا أمام نوع من قدرة كائنات فريدة على أن تحيا بأجزائها، وأيضاً على أن تحيا أجزاؤها حيوات مستقلة. * وما القاسم المشترك الجمالي بين هذه النصوص؟ ** يصل بين هذه النصوص ما يصل، ويفرّق بينها ما يفرّق. هي جميعاً تشيد عالمها/‏‏ عوالمها على روح الاختزال والتقشف اللفظي إلى الحد الأقصى، وهي جميعاً تنهض على قدر من التجريد يجعل كلاً منها تعبيراً عن عالمه، كما يجعله أيضاً تمثيلاً لغيره، بما يطرح مفردات النصوص ومكوناتها كعناصر قابلة للتكرار بل وللتكاثر (لاحظ غياب الأسماء عن هذه النصوص كلها)، وهي جميعاً مصوغة بمنحي يهبها ويهبنا إمكانات متنوعة لتعدد القراءات والتأويلات إلى ما لا نهاية. فكل قراءة تملك حق الانتهاء إلى تفسيرها الخاص، وهي جميعاً كذلك يمكن أن تعد ثماراً متأخرة أينعت على شجرة وارفة لكاتب ثر، كتب من قبل أعمالاً «كبيرة» بنزوع «تفصيلي» واضح، وغدا بمقدوره الآن أن يقدم لنا «درسه»، متنوع النبرة، عن حكمة ذائعة تتردد حول خير الكلام الذي يجب أن يقل ويدل، وهي حكمة يتكلم «عنها» كثيرون، ولكن لا يستطيع أن يتكلم «بها»، وأن يصل إليها، وينالها، ويتمثلها، سوى من دانت له الحكمة بحق.

مشاركة :