وقـف زيــادة الـمـعاشات الــتــقاعـدية بحـاجة إلى التـفاتة أبـوية من القادة

  • 11/29/2020
  • 01:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

خلصت في مقالة الأسبوع الماضي إلى أن أنظار شعب مملكة البحرين الآن معلّقة على صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد آل خليفة ولي العهد الأمين رئيس الوزراء، الذي حمل أمانة رئاسة مجلس الوزراء خلفًا لفقيد البحرين المغفور له بإذن الله صاحب السمو الملكي الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة كخير خلفٍ لخير سلف. إذ يُعدّ رئيس وزراء البحرين الشاب قائدًا عصريًا ثقافةً وفكرًا وعملاً، بقلبٍ بحريني ضارب في عمق الأصالة، يقاس ذلك بالمواقف التي اتخذها سموّه في الأزمات التي مرّت بها البحرين مؤخرًا، لذلك لا أبالغ حين أقول إنه رجل اُعدّ لمواجهة الأزمات، وارتبط ذكره بالتصدي الجاد للفساد المالي والإداري، وبناء عليه، فإن رجلا مثله استطاع أن يتصدى للصعوبات لن يعجزه التصدي لما هو أدنى منها من قضايا الشأن العام.ولعل أبرز قضايا الشأن العام على سطح الحوارات الشعبية العامة في وسائل الإعلام وبالأخص وسائل التواصل الاجتماعي هي قضية العبء الذي أثقل كاهل المتقاعدين والمرتبط بنص المادة الثانية من القانون رقم (21) لسنة 2020 بشأن صناديق ومعاشات التقاعد في القوانين والأنظمة التقاعدية والتأمينية الذي صدر مؤخرًا في شهر يونيو، والتي نصّت على وقف الزيادة السنوية المتواضعة التي تضاف إلى معاشاتهم التقاعدية وتعليقها على تقرير الخبير الاكتواري ووجود فائض في الصندوق بما لا يتجاوز نسبة الزيادة في المؤشر العام لأسعار المستهلك، وهو موضوع يمسّ شريحة كبيرة جدًا من المواطنين بأعمار مختلفة ولا سيما بعد استفادة أعداد كبيرة من الموظفين من (التقاعد الاختياري) وخروجهم على التقاعد مبكرًا، وهي قضية لا يهم المتقاعد - وبالأخص الذي أنهى سنوات الخدمة المقررة قانونا - منها سوى الجزء المتعلق بالمساس بحقوقه المتمثلة في زيادته السنوية التي تمثل قوت يومه.وحيث أكدت المادة (9) من العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية الذي انضمت إليه مملكة البحرين بالقانون رقم (10) لسنة 2007 التزام الدول الأطراف في هذا العهد وإقرارها بحق كل شخص في الضمان الاجتماعي، بما في ذلك التأمينات الاجتماعية، وقد نصت الفقرة (ج) من المادة الخامسة من دستور مملكة البحرين المعدل لعام 2002 على أنه: (ج - تكفل الدولة تحقيق الضمان الاجتماعي اللازم للمواطنين في حالة الشيخوخة أو المرض أو العجز عن العمل أو اليتم أو الترمل أو البطالة، كما تؤمّن لهم خدمات التأمين الاجتماعي والرعاية الصحية، وتعمل على وقايتهم من براثن الجهل والخوف والفاقة)، وعليه فإن المعاش التقاعدي هو حق دستوري للمتقاعد، لا سيما أنه قد أسهم من ماله الخاص في قيمته بالاقتطاعات الشهرية التي استنفذت من راتبه طوال سنوات عمله.فإن واجهت الصناديق التقاعدية أزمات مالية لا يجب أن يكون حلّها على حساب مكتسبات الأبرياء الذين لا ناقة لهم ولا جمل في سلوك القائمين على إدارة الجهات المختصة وذات الشأن، فالأصل لحل مثل هذه الأزمات هو أن يتم التحقق من أسباب الأزمة ومحاسبة المتسببين بها، وليس المساس بحقوق المستفيد منها الغافل غير العالم بخفاياها، فالمتقاعد هنا يُعدّ من أصحاب المراكز القانونية الضعيفة التي تقتضي من المشرّع ومن الدولة توفير حماية حازمة وحاسمة لحقوقه بحيث تكون درعًا يحول دون أي قانون أو قرار ينال منها وتمنع اتخاذ أي تدابير تراجعية بشأنها وتحفظ حصانتها الدستورية، لا سيما أنها لم تبادر إلى زيادتها في أوقات الرخاء في زمن الوفرة المالية التي ارتبطت بزيادة أسعار النفط، فمن باب أولى أن لا تجعلها محلاً للانتقاص حين الأزمات.وبناء عليه، وعودًا على ذي بدء، فإن أمل أصحاب المعاشات التقاعدية ينعقد على فكر وحنكة صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد آل خليفة الذي حظي بثقة تامةٍ من صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة، بصفته رئيسًا للوزراء ووليًا لعهد هذا البلد الكريم، وحيث إن دور السلطة التشريعية قد انتهى بإصدار القانون، فيبدأ بعده دور السلطة التنفيذية لتفعيله بما تستطيعه من إجراءات تتواءم مع صالح المواطن المتقاعد، والأمل يحدو أصحاب المعاشات التقاعدية في أن يتبنّى سموّه قضية الزيادة السنوية للمتقاعدين، ومسألة استمرارها دون تعليقها على شرط بما أوتي من حنكة إدارية وقيادية واقتصادية، واضعًا نص عينه بأن القوانين والقرارات التي تمسّ مقدرّات المواطنين ومكتسباتهم، هي قوانين مؤلمة للمواطنين، تؤلمهم في عيشهم وفي مشاعرهم، وهي في المحصلة النهائية مؤذية للشعور العام، والإنسان من منطلق طبيعته غالبًا ما تحركه عاطفته وهو رهين مشاعره وأحاسيسه، ومن الممكن القول إن كثيرا من الشعوب هي شعوب عاطفية، وأهل البحرين منهم، فهم شعب ارتبط في ذاكرة أقطار الأرض جميعها بالطيبة وبالحب وبالتسامح والتعايش، لا يمكث كثيرًا في اللحظات الشعورية السلبية، بل إنه لا يبرح إيجابيته وقبوله للآخر والتباهي بحبه للبحرين ولقادة البحرين، حباَ متلازمًا لا ينفك ولا يتجزأ، وقد أثبتت المواقف دائما هذا الحب والولاء وأظهرت مدى الامتنان الذي يعقب أي مكرمة أو قرار يُنعش موارد المواطن المالية، فمَن مِن أهل البحرين لا يذكر مكرمة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة بصرف راتب إضافي لكل موظف بعد تولي جلالته مقاليد الحكم بفترة وجيزة؟ مثل هذه المكرمة ما زال الكثيرون ينتشون بذكرها رغم مُضي عقدين من الزمن عليها، فكل ما يحتاج إليه المواطن هو أن يشعر بأن حقوقه جميعها وبالأخص المالية منها في مأمن، وبأن الدولة التي يحملها في قلبه ويفتديها بنفسه هي في المقابل درعه وأمانه، ولا سيما المواطن الذي قضى مجمل عمره في الوظيفة العامة كان خلالها لبنة بناء تقوّي عجلة التقدم والازدهار لهذا البلد، أفلا يستحق بعدها لفتة أبوّية حانية تُعزز إيمانه بعدالة دولة القانون وانتصارها لحقوقه؟

مشاركة :