د. إنجي فايد تكتب: دولة القانون والطلاق (3)

  • 11/29/2020
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

بعد كتابتي المقال الثاني من سلسلة "دولة القانون والطلاق"، سعدت بتأييد ودعم  من اختلف معي بسبب رأيي في المقال الأول،  وكان الأجمل من ذلك عدد الرجال الذين دعموني فيما طالبت به، إذ اتضح لهم أن الأمر لا يقتصر علي إنصاف المرأة وإنما يمتد  لحماية الأسرة بأكملها.فمن خلال بحثي وجدت أن المصري القديم قد عمل في قانونه ما عرف باسم "فقه الكد والسعاية"، فقد راعي في قانون الزواج والطلاق هذا الفقه الذي يرتبط بما تحمله كلا الزوجين من واجبات ومجهود كل بطريقته من أجل تنمية أموال الأسرة والاتفاق بين الزوجين علي كيفية استثمار وتوزيع الأموال التي يتم حصدها  أثناء فترة الزوجية.  فلقد التزم المصري القديم بإعاشة زوجته وتلبية مطالبها من كسوة وطعام طوال فترة الزواج، أما عند الطلاق فهي تستحق آثارا مالية أخري يحددها عقد الزواج أيضا ويتفق عليها الطرفان برضاء تام وتذكر أحيانا كثيرة في عقود الزواج،  وعرفت بـ"التسوية المالية"،  وتتمثل في تعويضها عن الطلاق وتحديد ما يؤول إليها من أملاك زوجها و ما يخصها من الأملاك المشتركة بينهما.وقد تردد ذلك في كل عقود العصر الفرعوني تقريبا مع اختلاف مقدار التعويض من حقبة لأخري،  ففي الحقبة الأولي من العصر البطلمي الذي استمر المصري القديم مطبقا لقانونه وتقاليده المتوارثة (٣١٥ق.م- ١٨٦ق.م) فبعض الرجال يعوض زوجته بما يصل أحيانا إلي خمسة أمثال المهر وآخر بثلاث أضعاف المهر، وثالث بقيمة مساوية للمهر.. وفي الحقبة الثانية بلغت قيمة  التعويض عن الطلاق  عشرة أمثال المهر.ويرجع سبب ضخامة التعويض إلي أن قيمة العملة قد انخفضت،  فأصبح المهر نفسه أكبر ومن ثم أصبح التعويض أعلي. وفي بردية الزواج المحفوظة بالمتحف البريطاني رقم (١٠٣٩٤)  نجد أن الزوج قد تعهد بأن يمنحها ثلث أملاكه وببردية فيلادلفيا رقم (١٤)  تعهد بمنحها نصف أملاكه عند الطلاق.فكيف إلي هذا الحد رأينا المصري القديم يراعي عند زواجه جميع الحقوق ويتحري العدل والإحسان في معاملة زوجته .. فبقلب راض يمنح ويهب ويُحسن،  فنراه علي سبيل المثال يسجل لها في بردية الزواج المتاع الخاص بها "لقد تسلمت من يدك متاعا كاملا.. قلبي منشرح به، إذا كنت في منزل الزوجية فهو معك وإذا تركت المنزل فهو لك، أنت المنتفعة وأنا الأمين عليه، وإذا طلقتك  بسبب كرهي لك أو لزواجي من امرأة أخري فسأعطيك مائة قطعة فضية .إذا أردت أن تهجري منزل الزوجية فسأعطيك ممتلكاتك المذكورة أعلاه أو قيمتها".لقد عرف المصري القديم من آلاف السنين قبل الميلاد  من الحلول الكفيلة لحماية كلا الطرفين من تغير الآخر،  وقنن ونفذ  فحقق السلام البشري والعدل الإلهي، وما أحوجنا لهذا اليوم..ولنتكاتف معا لتغيير قانون لأحوال الشخصية بأن تحصل المطلقة أو الأرملة علي نصيب معلوم مما تملكه الأسرة باعتبارها شريكة للزوج في "الكد والسعي"  في الحياة،  وإنها كانت وراء ما حققه من نجاح وثروة، فكيف بعد كل هذا  يتركها بلا مظلة آمان حقيقية في خضم حياة مكلفة هي لم تستعد لها بالادخار.. بل استثمرت كل قوتها وقدراتها ومجهودها في أسرتها، ولا يتصور أن تغادر منزل الزوجية أو الحضانة وهي في سن أكبر بما يقلل من فرصها في زواج جديد. كذلك تقل فرصها في العمل، بينما يعيش من تفرغت هي لرعايتهم في سعة من عيش وتنزل هي الي مستوي أدني .. إنها دعوة إلي أن يكون هذا الطلب محل دراسة من أهل الفقه والقانون من أجل التوصل إلي قانون يحمي المرأة المطلقة والأرملة بعد أمد.. ولنا جميعا في القرآن الكريم أسوة حسنة : (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ ۖ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ ۖ لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ ۚ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ ۚ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ ۚ لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَٰلِكَ أَمْرًافَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِّنكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ ذَلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَن كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا) [سورة الطلاق:١، 2، 3].. وقوله تعالي: (وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ) [البقرة: 231].ليست هذه هي القضية الوحيدة التي يَرُدُّ الشرعُ فيها أمور التعامل إلى العرف، بل جاء ذلك في مواضع كثيرة، ونحن نفتقد لتطبيق روح القانون الإلهي في قانون الأحوال الشخصية. وللتوضيح أكثر، نطرح التساؤل بصيغة أخري :"كيف بعد أن تمنح المرأة زوجها عمرها وسعيها وجهدها وتعبها، أن يكون جزاؤها تركها وحيدة تواجه حياة صعبة وحيدة بلا معين نفسي ومالي يعينها علي شظف العيش؟..أهل هذا هو جزاء الإحسان بالإحسان؟..أفبعد فضلها علي الزوج يكون نصيبها من الدنيا هذا الإجحاف؟!. قال المولي عز وجل في سورة البقرة: (..ولا تنسوا الفضل بينكم..)، فالوصية الإلهية هنا هي ضرورة عدم إنكار الفضل والإحسان والمعروف، ليس بين الزوجين فقط ولكن بين عموم البشر.وللحديث بقية....

مشاركة :