الرسائل التي يطلقها المسؤولون في وزارة الصحة حول الوضع الوبائي يجب أن تتسم بالدقة والحذر الشديد حتى لا تفهم في غير سياقها الحقيقي ويلتقطها من يعتقد أن الأمور مناسبة لعودة الحياة بشكلها المعتاد بمعزل عن ارتدادات ذلك على تسطيح المنحنى فعلياً. من المهم أن نذكر الخبراء والمختصين أن يتابعوا المشهد في أوروبا والانفتاح شديد الحذر هناك.الشفافية مطلوبة بالتأكيد، لكن التذكير أننا وقبل التحول الخطير في المنحنى الوبائي منذ السابع من آب، كان لدينا 1246 حالة منذ بدء الجائحة، وحينئذ كان تسجيل تسع إصابات منها أربع حالات محلية خبراً صادماً وكارثياً أثار أعلى درجات القلق.أسوأ السيناريوهات التي تحدث عنها خبراء الأوبئة يومها كانت بحدود عشرة آلاف حالة وهو ما يمكن استيعابه والتعامل معه. ولكن حدثت الكارثة التي نعيشها الآن بفعل الاستهتار وسوء التقدير الرسمي السابق الذي لا يعترف أحد بالمسؤولية عنه وتراخي الناس الذي لا يحتاج لدليل.حتى مساء الإثنين 30/11/2020، بلغت الإصابات نحو 218 ألف إصابة وأكثر من 2700 وفاة وحوالي 500 حالة في غرف العناية الحثيثة، وهذه أرقام مرعبة لبلد مثل الأردن. الموت بسبب كورونا لم يترك مكاناً في الأردن إلا وأخذ نصيبه منه، والخوف والاكتئاب يخيمان على وجوه الناس.هل نسينا أن هناك ما يقارب 65 ألف حالة نشطة ومعزولة منزلياً. ولو افترضنا أن 10 % منهم غير ملتزم بالحجر والبرتوكول الطبي – مع أني متأكد أن النسبة أكبر من ذلك- فإن هذا يعني عملياً احتمالية انفجار الوضع لما هو أسوأ منه حالياً خاصة وأن الالتزام بارتداء الكمامة ما يزال دون المستوى بالرغم من التحسن النسبي وغير المضمون استمراره.هناك من يقرأ أي تصريح حكومي بخصوص الحالة الوبائية خاصة من بعض المتضررين اقتصاديا في سياق مصلحته فيسارع للمطالبة بضرورة رفع الحظر عن كل شيء وعودة الحياة لطبيعتها. قد يكون هذا مفهوماً ولكنه نصف الحقيقة، هناك قطاعات تضررت صحيح ولكنها محدودة وليست أساسية.الحكومة استبعدت الحظر الشامل، وهذا منطقي ومقبول وساهم في إبعاد شبح المزيد من الانتكاسات الاقتصادية. وهي تملك القدرة على التخفيف من تداعيات الإغلاق المحدود في بعض القطاعات التي تضررت من خلال البرامج التي أطلقتها مؤسسة الضمان الاجتماعي والبنك المركزي وحتى لو تحملت الموازنة المرهقة أصلا جزءاً من كلفة ذلك.ومن صالح الجميع قياس الكلفة التي قد تتحملها الحكومة بأذرعها المختلفة في دعم بعض القطاعات مؤقتاً بالضرر العام على المجتمع والمفاضلة بين ذلك وما ستتحمله الحكومة في حال الذهاب للانفتاح العام.يعرف الكل أن هذه الحكومة جاءت على تركة صعبة وربما غير مسبوقة. وهي تسابق الزمن لرفع كفاءة الجهاز الطبي وتحقق إنجازات ملموسة لا ينكرها مبصر وفي طريقها لتحقيق المزيد خلال الأسابيع القادمة. وبنفس الوقت تواجه الشكوى المتصاعدة من القطاعات الاقتصادية بضرورة الانفتاح ولكنها تدرك أن الاستجابة المبكرة ستكون مكلفة وربما كارثية.الحكومة مطالبة بمزيد من التشديد على ارتداء الكمامة والتباعد الاجتماعي ومتابعة المعزولين منزلياً والمجتمع مطالب بالالتزام. وأمامنا ما لا يقل عن ثلاثة أشهر حتى نشعر بتحسن قد يدفعنا للعودة للوضع الطبيعي بشكل كامل بعد وصول اللقاح لنسبة كبيرة من المجتمع لا تقل عن 30 إلى 40 % ممن يتم تصنيفهم أصحاب أولوية للحصول عليه.قد لا يعجب هذا الكلامُ الكثيرين، ولكنها الحقيقة التي تستدعي منا القبول والعمل بها حتى ننجو جميعاً وينجو بلدنا.الغد
مشاركة :