بحثت الحكومة الفرنسية، أمس، عن سبل للخروج من الأزمة السياسية، في حين تجد نفسها محاصرة بين قاعدة احتجاجية يسارية وأخرى انتخابية يمينية أساسية بالنسبة للرئيس إيمانويل ماكرون. وعنونت صحيفة "لوفيغارو" اليمينية "الحكومة تسعى للخروج من المأزق"، في حين كتبت "ليبيراسيون" اليسارية "ماكرون عالق في المصيدة". وبعد تحرّك قوي نسبياً، السبت، للمعارضين لمشروع قانون "الأمن الشامل"، عززته قضية تعرّض المنتج الأسود ميشال زيكلير للضرب على يد عناصر شرطة التي صدمت البلاد، تسعى الحكومة إلى إعادة الإمساك بزمام الأمور. وعقد الرئيس الفرنسي، أمس، في "الإليزيه" اجتماعاً ضم رئيس الحكومة جان كاستيكس ووزراء أساسيين ورؤساء كتل نيابية، تطرّق خصوصاً الى رابط الثقة الذي يجمع بين الشعب والشرطة. ووجّه القضاء الفرنسي التهم إلى أربعة عناصر شرطة، أوقف اثنان منهم، في إطار التحقيق المفتوح بقضية ضرب زيكلير، تتعلق خصوصاً بممارسة ضرب متعمد، فاقمته دوافع عنصرية، مما أسهم في زيادة التوتر عامة في البلاد. وازدادت حدة التوتر أيضاً بعد نشر صور صدامات وتعرّض شرطي في ختام تظاهرات السبت في باريس لهجوم عنيف، في حين أصيب مئة شرطي بجروح. وتفجرت قضية زيكلير الأسبوع الماضي، بعد نشر فيديو لتعرّضه للضرب من جانب عناصر شرطة، فيما الجدل قائم على قانون الأمن الشامل الذي يفرض بالمادة رقم 24 قيوداً على التقاط ونشر صور عناصر الشرطة. ورأى الوزير المكلف بالعلاقات مع البرلمان، مارك فيسنو، في حديث مع إذاعة "فرانس إنتر"، أمس، أن "أمامنا مشكلة مزدوجة، مشكلة مقاربة المادة 24، ومشكلة العنف الموجه ضد عناصر حفظ الأمن"، مضيفا "من الواضح أن العديد من الالتباسات لا تزال قائمة". ويجد ماكرون وحكومته نفسيهما أمام خيار حساس للتفاوض على مخرج من الأزمة. وبعدما وصل عام 2017 إلى الحكم مستفيداً من أصوات اليمين واليسار، يبدو ماكرون حالياً محاصراً بين التيارين. ووزير الداخلية جيرال دارمانان مكلف باستقطاب ناخبي اليمين، أما اليسار المقسم، فهو يحاول الاتحاد خلف ملف الأمن لكسب مزيد من الدعم وإضعاف الغالبية الرئاسية التي تجد نفسها بالفعل في موقف صعب. ورأى النائب من كتلة "رونيسانس" (النهضة)، وهي كتلة تابعة لماكرون، كما نقلت عنه صحيفة "لوموند"، أن "خط دارمانان يؤجج النقاش، ويكسر نقطة توازن القاعدة الانتخابية للغالبية". واعتبر زعيم الكتلة الاشتراكية في البرلمان أوليفييه فور، من جهته، أن "رئيس الجمهورية عليه أن يختار من يكون، عليه أن يختار ما إذا كان دارمانان أو (المفتش العام للشرطة ديدييه) لاليمان أو على العكس ما إذا كان جمهورياً كما يقول". وفي تيار اليمين المتطرف، نددت مارين لوبن بـ "الفوضى المتكررة" في فرنسا مع حكومة "فقدت السيطرة"، وأثبتت أنها "متهاونة" مع ناشطي اليسار المتطرف. أما في اليسار، فيتفق الحزب الاشتراكي والخضر واليسار المتطرف على التنديد بتشديد الحكومة قبضتها الأمنية، وطالبت تلك التيارات بسحب مشروع قانون "الأمن الشامل". واعتبر النائب اليساري المتطرف أدريان كاتينان أن "هناك لحظة يتعيّن فيها معرفة أن وقت التراجع قد حان". والأسبوع الماضي، اعتبر ماكرون أن الصور التي تظهر تعرّض زيكلير للضرب هي "عار" على فرنسا. وللمرة الثالثة هذا العام، طلب ماكرون من الحكومة أن "تقدمّ سريعاً مقترحات لإعادة التأكيد على رابط الثقة الذي يجب أن يكون قائماً بشكل طبيعي بين الفرنسيين ومن يقومون بحمايتهم، ومن أجل مكافحة جميع أشكال التمييز بفعالية أكبر". ورأت "لوموند"، أن مثل هذا الحكم بحق عناصر الشرطة الـ4 يعتبر نادرا في قضايا أعمال العنف الأخيرة التي ترتكبها قوات الأمن. أما صحيفة "لومانيتيه" الشيوعية فقد انتقدت ماكرون قائلة إنه "يكتفي بالدفاع عن وزيره، ويلتزم الصمت حيال هذا القانون الخطير والسخيف". من ناحيته، طالب الرئيس الفرنسي الاشتراكي السابق فرانسوا هولاند بسحب قانون "الأمن الشامل". وفي مقابلة مع صحيفة "لا مونتاني"، قال هولاند: "اليوم إذا كان هناك شرف، فلا بد من وجوده في سحب نص قانون الأمن الشامل، وليس في الإبقاء عليه". وأضاف: "عندما يصطدم نص القانون بالضمير ويقسم المجتمع، عندما يهدد بإثارة العنف، يجب سحبه". وتابع هولاند: "يجب أن تتصرف الشرطة وفقا لقوانين الجمهورية، ويجب معاقبة السلوك غير المقبول بأقصى درجات الحزم". وأشار إلى أنه اضطر خلال رئاسته لسحب قانون التجريد من الجنسية لأصحاب الجنسية المزدوجة الذين يدانون في أعمال إرهابية، بعد الاعتراض عليه. على صعيد آخر، مثُل الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي (65 سنة) أمام محكمة باريس أمس، في قضية الفساد واستغلال النفوذ. وأمرت المحكمة ساركوزي المثول شخصياً أمامها، بعدما رفضت الخميس الماضي طلب تأجيل للمحاكمة المتعلقة بقضية فساد تقدّم به أحد المتهمين إلى جانب ساركوزي، وأمرته بالمثول، مما يعني أن هذه المحاكمة الأولى من نوعها في فرنسا، ستتم قبل نهاية العام الحالي. وبعد تأجيل افتتاحها الذي كان مقرراً في 23 نوفمبر، بدأت بشكل رسمي أمس.
مشاركة :