الحديث عن الخطر الإيراني على أمن المنطقة واستقرارها لن ينتهي ما دامت لم تبادر طهران بالتعبير عن حسن نواياها إزاء جيرانها، ولم تقم باتخاذ خطوات جادة وحاسمة لطمأنة محيطها. وتتصاعد مؤشرات الخطر الإيراني مع احتمالات استغلال النظام هناك للاتفاق النووي لتحقيق تطلعاته التوسعية في المنطقة، سيما على خلفية استعداد الصناعات العسكرية الإيرانية فتح أبوابها لاستقبال مزيد من طلبات التعاقد وتوريد الأسلحة لمناطق التوتر في العالم. هذا ما أبرزه فرزين ناديمي المحلل المتخصص في شؤون الدفاع والأمن الإيراني والخليجي بمعهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى، الذي عرض لجوانب وأبعاد أخرى من الخطر الذي ربما تشكله إيران في الفترة القادمة إذا ما استغلت صادرات صناعات الأسلحة التابعة لها في تأجيج حدة الصراعات المسلحة بالمنطقة، وكيف يمكن أن يسهم ذلك في تصعيد جرائم الإرهاب التي تئن من وطأتها كل دول العالم. يذكر التقرير الذي نُشر على موقع المركز البحثي المتخصص بدراسات المنطقة أن خطورة النهج الإيراني تنبع من عدة أمور، منها: سجلها الحافل بعدم التقيد بالتزاماتها الدولية، وعدم فاعلية قيود مجلس الأمن الدولي المفروضة على برنامجها النووي، فضلا عن فرص توسيع إيران هامش صادراتها العسكرية إلى الخارج والتي ربما تتيحها الصفقة النووية لها. ويدلل الباحث على هذا المعنى بالقول إن قرارات مجلس الأمن الدولي لم تفلح إلا قليلاً في الحيلولة دون صفقات التسليح الإيرانية، وذلك في إشارة إلى الاتفاقية التي وقعتها طهران في فبراير 2014 وقيمتها 195 مليون دولار لبيع الأسلحة والذخائر للعراق في مخالفة واضحة للقرار 1747 لعام 2007. كما أن العقوبات التي فرضت على إيران طوال العقد السابق لم تمنع مصانعها العسكرية من التنامي السريع، خاصة منذ أواسط التسعينات من القرن الماضي وحتى الآن، وهو ما أكده معهد إستكهولم لأبحاث السلام الدولي الذي أشار إلى أن ايران قامت بتصدير أسلحة وذخائر تقدر قيمتها بما لا يقل عن 200 مليون دولار بين الأعوام 2010 و2014. ومن الطبيعي، حسبما يحذر التقرير، فإن صادرات إيران من أنظمة التسليح التقليدية تحديداً، والرخيصة نسبياً، ستتزايد بوتيرة أكبر إذا ما رُفعت العقوبات عنها دون وضع إطار حاكم يمنعها من توريد الأسلحة لعملائها الذين يشملون دولاً في الشرق الأوسط وأفريقيا وأمريكا الجنوبية، فضلا عن العديد من التنظيمات والأذرع والامتدادات غير الحكومية، ويشمل هؤلاء المليشيات المسلحة والمتمردين المدعومين أجنبياً والمجموعات المسلحة التابعة لها، والتي تحارب بالنيابة عنها، ناهيك بالطبع عن المستفيدين الرئيسيين مثل حزب الله في لبنان والمليشيات الشيعية في العراق. الخطير، كما يظهر التقرير، أنه لا توجد أية ضمانات يمكن أن تجبر طهران على الإفصاح عن صادراتها من السلاح، ولا حتى الصفقة النووية الأخيرة التي تربط بين رفع العقوبات والبرنامج النووي بمقدورها أن ترغم الإيرانيين على الكشف عن قيمة ومصادر أنظمة التسليح التي يبيعونها لأعوانهم، والتي تتنوع ما بين الأسلحة الخفيفة والذخائر والمتفجرات والألغام والرؤوس الحربية ومعدات الاتصالات وبنادق القناصة المتطورة ومنظومات الدفاع الإلكترونية ومدافع الهاون البعيدة المدى وأنظمة الدفاع الجوي المحمولة وصواريخ المدفعية والطائرات دون طيار، وغير ذلك الكثير. وهناك خطورة أخرى يجب التحوط لها، وتتمثل في احتمالية وقوع ووصول مثل هذه الأسلحة باختلاف مستوياتها إلى الأيدي الخاطئة، حسب وصف التقرير، الأمر الذي يعظم من مستوى التهديدات الكبيرة على الأمن الإقليمي، والتساؤل الذي يطرح نفسه: ما هو العمل إذا ما استطاعت إيران متى تم السماح لها بالمزيد من الحرية، توريد أو تصدير أسلحتها إلى المجاميع الإرهابية والمتطرفين في الشرق الأوسط وغرب آسيا وأفريقيا؟ كيف يمكن أن تواجه المنطقة والعالم صادرات إيران من الصواريخ المضادة للدبابات التي اُستخدمت فعليا في لبنان والعراق وسوريا، والتي أُدخلت على بعضها التحديثات ، وهو ما أكده تقرير مسح الأسلحة الخفيفة ومقره بسويسرا الذي أشار في جانب منه إلى أن الحوثيين باليمن وبمساعدة إيرانية استطاعوا إنتاج واستخدام صواريخ معينة. إن احتمالية رفع العقوبات عن ايران سيمكن شركاتها بسهولة من الحصول ليس فقط على صفقات بيع جديدة، وإنما أيضا على المقومات والمواد الضرورية اللازمة لتطوير نظم حربية أكثر فاعلية، وعلى هذا فإن المجتمع الدولي مطالب بتشجيع طهران على التحلي بالمسؤولية، والحد من نشاطها الرامي لزيادة انتشار الأسلحة الفتاكة في مناطق الصراعات، وتبني سياسات تسليحية أكثر شفافية، وهو أمر ربما يكون بعيد المنال.
مشاركة :