كشفت البحوث العلمية والتاريخية الحديثة عن القيمة التراثية لدبي، تزامن ذلك مع الحفريات المتتالية في عدد كبير من المواقع التاريخية التي أوضحت دور دبي في مراحل مختلفة من العصور السحيقة الماضية، بما يوضح مكانتها التجارية والاجتماعية خلال هذه الفترات القديمة، وبما يؤكد ما قامت به كهمزة وصل بين الحضارات المختلفة، من موقعها المتوسط بين هذه الحضارات ومن منطلق حرصها على الاستقاء من كل هذه الحضارات لتكوين مسارها التاريخي والحضاري.وعلى مدار سنوات عدة، استطاعت دبي الكشف عما في جعبتها من لقى ومعثورات كانت بمثابة الدلائل التي أشارت إلى عمق الحضارات التي اتصلت بها دبي منذ فجر التاريخ. أوضح المهندس رشاد بوخش مدير إدارة التراث العمراني ببلدية دبي أن الإمارات ودبي بشكل خاص تتميز بموقع فريد على شاطئ الخليج العربي مهد لها سبل إقامة العلاقات الوثيقة بالحضارات الإنسانية الأخرى ونشأت فيها بعض المستوطنات ذات الحضارة، وأضاف أن نتائج الحفريات الأثرية الجارية في أنحاء متفرقة من الإمارة دلت وأسفرت عن العثور على المواقع الصناعية والسكنية والمدافن الغنية باللقى والهدايا الجنائزية من أدوات وأوان فخارية وبرونزية وحديدية وحجرية وحلي ولؤلؤ وخرز. وأشار بوخش إلى أن موقع دبي المتميز كبقية مدن الساحل يسر لها الاتصال بالحضارات الأخرى من خلال النشاط التجاري حيث كانت أحد أشهر الأسواق التجارية منذ ما يزيد على ثلاثة آلاف عام، واحتفظت الإمارة بمكانتها المتميزة إبان العصور الإسلامية حيث لعبت دوراً مهماً في مجال التجارة البحرية والبرية ما أكسبها قسطاً وافراً من مظاهر الحضارة العربية الإسلامية وما زالت دبي تتمتع بذات المكانة المرموقة وتتبوأ مركز الصدارة في النشاط التجاري حتى وقتها الحاضر. وقال بوخش إنه آن الأوان لتسجيل المواقع الأثرية لدبي في منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة اليونسكو كإحدى المناطق العالمية ذات الآثار التاريخية الحضارية. وأوضح أن أهم هذه المواقع تشمل موقع ساروق الحديد الأثري (2600 550 ق.م) المكتشف في ربيع 2002 وهو من أغنى المواقع الأثرية في الجزء الجنوبي الشرقي من شبه الجزيرة العربية والذي تم الكشف عنه في السنوات القليلة الماضية في دبي باعتباره أحد المراكز الرئيسية لصهر المعادن خلال العصر الحديدي حيث تنتشر على سطحه كميات كبيرة من خبث المعادن وأجزاء بواتق الصهر وكتل الخامات النحاسية والكسر الحديدية والفخارية، وكشفت التنقيبات عن آلاف القطع الأثرية والتي تتضمن عدداً من القطع النادرة التي لا مثيل لها في الإمارات ومنها الأواني البرونزية والفخارية والحجرية والأسلحة كالسيوف والخناجر والفؤوس والسهام البرونزية والحديدية بالإضافة إلى أعداد كبيرة من المشغولات الذهبية والحلي البرونزية والخرز والأختام. وتشمل آثار دبي أيضاً موقع الصفوح الأثري الذي يعود إلى الفترة من 2500 إلى 2000 قبل الميلاد واكتشف عام 1994 ويضم بقايا مستوطنة تعود بتاريخها إلى حقبة الألف الثالث ق.م، ويمتد الموقع على مساحة كبيرة ويحتوي على مدفن مستدير قطره 6.5 م مبني وفق الطريقة التقليدية المتبعة في بناء المدافن المعروفة خلال حقبة أم النار، وبنيت جدرانه من الحجارة الرملية الكبيرة وقسم من الداخل إلى قسمين رئيسيين يحتوي كل قسم على ثلاث حجرات مخصصة للدفن ومدخل مستقل وعثر بداخل كل حجرة على هياكل عظمية وإلى جانبها الهدايا الجنائزية المشتملة على الأواني الفخارية والأواني الحجرية والخناجر والحلي البرونزية وعشرات الآلاف من حبات الخرز، ويحتوي على كميات كبيرة من الرماد وعظام الأسماك والأصداف لاسيما أن تلك الحقبة شهدت انتعاشاً حضارياً وزيادة سكانية ملحوظة وعلاقات تجارية مع بلاد الرافدين والبحرين ووادي السند. ومن بين المواقع موقع حتا (2500 2000 ق.) وأشار بوخش إلى أن منطقة حتا تعد من المناطق الأثرية في دبي وتحتوي على نحو 50 مدفناً وتتواجد على الجانب الأيسر لوادي جيما وترجع بتاريخها إلى النصف الثاني من الألف الثالث قبل الميلاد، وأوضح أن هذه المدافن دائرية الشكل بنيت جدران محيطها الخارجي من كتل حجرية مشذبة ومائلة وفق الطريقة التقليدية لمدافن أم النار ومعظمها مهدم أو منهوب كما تم العثور على مجموعة من الرسومات القديمة على أحجار متنوعة الحجم في مناطق متفرقة وعلى بقايا مبان حجرية يعود تاريخها إلى العصر الإسلامي المتأخر إضافة إلى رؤوس سهام مصنوعة من النحاس. وأشار بوخش إلى أن المنظومة الأثرية للمواقع الأثرية في دبي تشمل موقع جميرا الأثري والذي يعود إلى الفترة من (1800 إلى 900) عام قبل الميلاد ويمثل الموقع مدينة إسلامية مهمة تعكس بمظاهرها روح الحضارة العربية الإسلامية خلال العهد العباسي (900- 1100 م) ثم استمرت في الاحتفاظ بمكانتها خلال العصور الإسلامية المتأخرة (1700-1800 م). وأضاف أنه ونتيجة لموقعها الجغرافي لعبت دوراً حيوياً على الطريق التجاري ما بين عمان وشبه الجزيرة العربية وبلاد الرافدين والشرق الأقصى ومارس سكانها إلى جانب ركوبهم البحر نشاطات صناعية وحرفية. وقال إن الموقع يضم عدداً من المباني كالخان والمسجد والسوق ومنازل للسكن وتتميز بملامح فنونها ذات الطابع العربي الإسلامي إلى جانب العديد من الزخارف الجصية الهندسية والوردية التي كانت تزين الأبواب والنوافذ، مشيراً إلى أنه من المكتشفات الأثرية في الموقع العديد من الأواني الفخارية المزججة والأدوات والحلي والمشغولات الذهبية والنحاسية وعدد من العملات النحاسية . موقع القصيص الأثري يقول رشاد بوخش مدير إدارة التراث العمراني إن من بين أحد المواقع الأثرية المهمة في دبي موقع القصيص الأثري (2500 550 ق.م) واكتشف في أوائل السبعينيات من القرن الماضي ويضم مستوطنة كبيرة ومعبداً كان مخصصاً لعبادة الثعابين ومقبرة أثرية تشتمل على مدافن فردية وجماعية متنوعة ويمتد تاريخها إلى ما بين الألف الثالث ق.م، والألف الأول ق.م، وعثر بداخل هذه المدافن على هياكل عظمية منها مدفن لرجل وامرأة دفنا معاً متقابلين ومتشابكي الأيدي، كما احتوت أيضاً على المرفقات الجنائزية التي شملت الأواني البرونزية والفخارية والحجرية والأسلحة كالخناجر ورؤوس السهام البرونزية والنحاسية والحلي كالقلائد والأساور والخواتم والخلاخيل.
مشاركة :