يستدعي مهرجان الشيخ زايد 2020 المقام بمنطقة الوثبة، تاريخاً طويلاً من الأمجاد والتاريخ والعراقة والثقافة والتراث والفنون، فالمهرجان يمثل جسراً للتواصل بين الماضي والحاضر، ويحمل دلالات تراثية وقيمة خالدة، ومن يلاحظ إقبال النّاس على هذه الفعالية، يجد تأثيرها الواضح عليهم، في ظاهره يركز على الحرف التقليدية والتراث، ويتمحور حول الفنون وعروض الأداء الحية، ويسهم في تبادل الثقافات والعادات، ويوفر مساحات للاحتفاء بتراث الدول وتلاقح ثقافات الشعوب، أما في عمقه، فإنه يوفر العديد من المنافع الاجتماعية والاقتصادية والإبداعية، ويشكل مصدر جذب عالمي للمشاركة من دول العالم المختلفة. مهرجان الشيخ زايد، الذي يقام تحت رعاية صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة «حفظه الله»، وبتوجيهات صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، ومتابعة سمو الشيخ منصور بن زايد آل نهيان نائب رئيس مجلس الوزراء وزير شؤون الرئاسة، وإشراف مباشر من معالي الشيخ سلطان بن حمدان آل نهيان مستشار صاحب السمو رئيس الدولة رئيس اتحاد سباقات الهجن رئيس اللجنة العليا المنظمة للمهرجان، يزخر بمختلف الفنون والألعاب وقصص وحكايات الصناعات والأزياء والحرف التقليدية، والطبخ والأمثال الشعبية، إلى جانب الطقوس والعادات التي حفظتها الذاكرة الشعبية وتناقلتها الأجيال، كما أن تلاقح هذه الثقافات حتماً يعطي بعداً إيجابياً يفيد الزوار، ويؤدي إلى نقل وتبادل التجارب والخبرات بين المشاركين على المستويات كافة. الفنون الشعبية نافذة على تاريخ الشعوب الفنون الشعبية نافذة على تاريخ الشعوب بُعد معماري سعيد بن كراز المهيري مستشار في إدارة لجنة المهرجانات والفعاليات الثقافية والتراثية في أبوظبي، أكد أن للمهرجان دلالات كبيرة من الناحية الثقافية والمعمارية والتراثية، مؤكداً أن المهرجان يُخلد ذكرى المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان «طيب الله ثراه»، رجل التسامح والسلام، كما أن إقامة المهرجان له بعد إنساني، حيث يعرض الفنون والعادات والتقاليد للدول المشاركة، ويعكس التراث المعماري أحد ركائز تراث الإمارات، الذي يتوافق مع ظروف البيئة الطبيعية والبشرية من خلال استعمال مواد محلية معينة، وفق أنماط هندسية بديعة، حرصت بشكل كبير على تحقيق أسس الاستقرار والسكن والتهوية والتبريد والتدفئة، وهي متنوعة في السواحل والصحاري والجبال والسّهول والبادية، وهذا القول ينعكس أيضاً على تصميمات ومنتجات باقي أجنحة الدول المشاركة، والتي اتبعت أطراً معيّنة في الزخارف والهندسة مستغلّة المواد المتاحة في بيئتها المحلية، مما يعطي لمحة مختصرة عن عمارة البلدان المشاركة. بُعد إنساني ويشكل المهرجان حلقة وصل بين الماضي والحاضر ويعبر بالأجيال نحو المستقل، وكأنه رحلة إلى الزمن، حاملاً ذكريات وقصصاً ومعتقدات شعبية وثقافية، هذا ما أكدته د. عائشة بالخير مستشارة البحوث في الأرشيف الوطني، مشيرة إلى أن المهرجان يعمل على استدامة الموروث من خلال نقله من الماضي للحاضر، ليتعلم هذا الجيل القيم التي عاش عليها الأجداد وقامت عليها المجتمعات، من صبر وشجاعة، هؤلاء الأجداد، الذين طوعوا الطبيعة وأبدعوا أشكالاً وفنوناً وعلاقات إنسانية، بذكاء فطري وعفوي، فكانت المرأة فنانة وسيدة بيت، ومدبرة، حيث طوعت أشكالاً هندسية في الصناعات التقليدية، بينما استطاع الرجل أن يؤلف بذكاء بالغ بين أكثر من طير أو حيوان في الصيد، بين الصقر والكلب السلوقي وكيف جعل هذه الرياضة في خدمته، وكيف اهتم بالحيوان، وأظهر إنسانية بالغة تجاهه، وهنا تظهر جمالية العلاقات. الصناعات التقليدية تستعيد مسيرة كفاح المرأة الصناعات التقليدية تستعيد مسيرة كفاح المرأة وأضافت بالخير: «رغم قساوة وجفاف الصحراء، كانت هناك قيم إنسانية وكرم ضيافة، وسنع، نبعت كل هذه القيم من بيئة خشنة، ولعل مهرجان الشيخ زايد يعكس هذه القيم التي قامت عليها الدولة، ولا زالت راسخة في ذاكرتها الجمعية، فمن عادات أهلنا في السابق، أن تقوم الحياة على الصلح، حيث يلجأ أهل القبيلة لكبيرهم في حال حصول بعض المشاكل فيصلح بينهم، ويبحث المشكلة إلى أن يجد الحل ويوفق بين الأطراف في سرية تامة، مما جعل كبير العائلة أو القبيلة يحظى باحترام بالغ، وهنا نلاحظ أن الإمارات تحرص منذ القدم على التمسك بطباعها الأخلاقية، وبتراثها وعاداتها وتقاليدها، لأن السلم والصلح مبدأ أساسي لديها، والمهرجان يعكس هذه القيم، حيث يجمع جميع الثقافات في مكان واحد في انسجام تام ويؤسس لبعد سامي يرسخ هذه القيم الزوار والجيل الحالي. تسخير التكنولوجيا رغم ما يزخر به المهرجان من موروث شعبي ومفردات تراثية، إلا أنه يتطور بشكل سريع في سياق توصيل المعلومة مع الحفاظ على هويته، مسخراً وسائل التكنولوجيا لينفذ إلى فكر وعقل المتلقي مع الحفاظ على الأصالة، في سياق العولمة والثورة التكنولوجية الحاصلة، لا سيما في هذه الظروف ومع انتشار جائحة «كورونا»، حيث وظف التكنولوجيا والشاشات الكبيرة ليعبر بهذا الجيل نحو المستقبل، وهذا ما أكده الخبير التراثي علي الشحي، قائلاً: إن مهرجان الشيخ زايد يمثل جسر تواصل بين الماضي والحاضر من خلال ورش العمل الذكية وعبر الشاشات الحديثة، لترسيخ معاني الأصالة بما يتماشى مع هذا الجيل ويؤثر فيه، موضحاً أن العمل الجماعي يعطي الثقة بالنفس وبناء الشخصية، ويجمع ثقافات متنوعة في مكان واحد، لأنهم يتعاملون مع التراث بشكل ملموس ويتفاعلون مع معطياته، مما جعل هناك تكامل بين ما يعرض من موروث حي وبين وسائل التكنولوجيا التي تصل به للعالمية. ذاكرة التراث من جهته، أكد سعيد المناعي مدير إدارة الأنشطة في نادي تراث الإمارات، أن المهرجان يجسد رؤية المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان «طيب الله ثراه»، في تأصيل التراث، وصونه للأجيال الجديدة، ناهيك عن أن المهرجان يجمع بين التراث البري والبحري والصحراوي والزراعي والبدوي، ويمثل نظرة على ما تختزنه ذاكرة هذا الوطن، وما خلفه الأجداد من حرف تقليدية ومعارف وضيافة وبيوت الشعر، وما تقوم به المؤسسات العاملة على حفظ التراث، موضحاً أن المهرجان أصبح منارة جاذبة لجميع العوائل، ويوفر فرصة لأبنائنا للمقارنة بين ثقافات الشعوب وعاداتهم وتقاليدهم، في ظل حضور تراثنا وبقوة، بجميع مفرداته. حكايا الصبر والشوق قالت لطيفة النعيمي باحث أول مركز زايد للدراسات والبحوث، إن مهرجان الشيخ زايد يجمع بين الفنون والشعر وقصص الصناعات التقليدية المحملة بالحكايات، وساحة مفتوحة تفاعلية، واحتفاء يومي بالتراث وتواصل مع الشعوب، محققاً تلاقي الثقافات والحضارات على أرض الإمارات، وهو أيضاً يمثل إطلالة على صبر المرأة، وكفاحها، من خلال مجموعة من النساء اللاتي يمارسن الحرف التقليدية، والتي شكلت رافداً مهماً للمرأة في قديم الزمان في مختلف البيئات، ورغم انشغالاتها، فإن هذه الصناعات جاءت مفعمة بالجمال ومحملة بكثير من المشاعر والحكايات، لا سيما أن الكثير منها كانت تنسجها النساء أثناء غياب الزوج أو الابن للغوص، فجاءت محملة بالحنين والشوق، مما يوفر فرصة لهذا الجيل والزوار من مختلف الثقافات أن ينفذوا إلى الماضي، لاكتشاف صناعات منسوجة بالصبر والحب والشوق، ولا تخلو من الإتقان أيضاً، كما أنها فرصة لنتعلم من الشعوب ويتعلمون منا، لأن الصناعة التقليدية مرآة للشعوب، فهي محملة بالمشاعر والدلالات لأن لكل صناعة حكاية، ناهيك عن أن المهرجان يوفر فرصة للشباب لابتكار مشاريع مستوحاة من المفردات والبيئة التراثية مع توظفيها بطريقة عصرية لتجوب العالم. مصدر دخل أوضح سعيد المناعي أن المهرجان يعرض مجموعة من الحرف والصناعات التقليدية، باعتبارها أحد أهم مقومات التراث المادي، إذ ترتبط بالعقل والجسد معاً، مشيراً إلى أن هذه الحرف كانت تشكل مصادر الدّخل الرئيسة، سواء على صعيد الفرد أو المجموعات، حيث كانت تعمل في هذا النشاط شرائح مختلفة من المجتمع المحلي، لسد حاجات المجتمع، وقد اختلفت تصنيفات الحرف في الإمارات وتعددت تعريفاتها وتنوعت أسماؤها، بناء على المواد الخام أو طريقة الصنع أو شكل الحرفة أو موضعها البيئي والمكاني أو طبيعة صانعيها، حيث كانت تمثّل أحد موارد الرزق في المجتمع المحلّي، وكانت هناك حرف ارتبطت بالنساء وأخرى بالرجال، وهي حرف لا زالت تمارس إلى الآن ومنها الصناعات السعفيّة والجلدية والطينيّة والفخاريّة والخشبية والمنسوجات، إضافة إلى صناعات أخرى، مثل صناعة الدوابي، والقراقير، والأثمد، والمالح، والتي نجح المهرجان في تقريبها إلى الأجيال، وإيصالها إليهم بنبضها الحياتي.
مشاركة :