عندما تم الإعلان عن فيلم "Mogul Mowgli" للمخرج بسام طارق، كانت التوقعات تصب في سرد قصة أشبه بسيرة ذاتية واقعية عن حياة الممثل والمغني البريطاني الشهير ريز أحمد، الذي يقوم ببطولة الفيلم أيضا. ربما تعرفنا على تاريخ ذلك النجم من خلال أفلام شهيرة مثل "Nightcrawler" و"Jason Bourne" ومؤخراً "Venom"، إلا أنه يملك سجلاً مميزاً في المجال الموسيقي وخاصة أغاني الراب، حيث أن اسم الفيلم مستمد من أحد أغانيه بعنوان " Half Moghul Half Mowgli"، لذلك حاول دمج شغفه الموسيقي والكتابة في فيلمه الجديد، الذي عرض خارج المسابقة الرسمية لمهرجان القاهرة السينمائي في نسخته الـ42.يجسد أحمد دور مغني راب بريطاني باكستاني يدعي زيد، ينال شهرة واسعة تجعله واحداً من أهم فناني ذلك النوع الموسيقي في نيويورك، حيث يعيش ويقيم الحفلات هناك بشكل مستمر. ولكن مع الإعلان عن جولة غنائية أوروبية على وشك البدء من لندن، يحين الوقت أمام هذا الشاب لمواجهة مخاوفه القديمة والعودة إلى وطنه.تبدأ أحداث الفيلم من أحد الحفلات الغنائية التي يقيمها زيد في مدينة نيويورك، محاطا بجمهور كبير يلهث وراء كلمات أغانيه القوية التي تمنحه شحنة هائلة من الغضب والطاقة لانتقاد التحيزات الاجتماعية، لحظة تمثل أقصي مراحل النجاح بالنسبة للمغني الشاب.عند عودته إلى المنزل، يبدأ كل هذا النجاح في التلاشي حيث يتسلل إليه شعور بالانفصال والغربة عندما يتواصل مجدداً مع الطقوس الدينية والثقافية لأسرته. حيث ينتقل الحوار ما بين الإنجليزية والأردية، ينتقده أحد أفراد الأسرة بسبب تغريب أسمه من زهير إلي زيد، ولاحقا يؤدي خلاف مع مسلم خارج المسجد إلى دخوله المستشفى.نكتشف أن زيد يعاني من أحد أمراض المناعة الذاتية التي تسبب له حالة من حالات ضمور العضلات لا تجعله يقوي على الوقوف أو السير، وأن جسده إذا لم يحصل على المساعدة سينهار من الداخل. يريد والده بشير (علي خان) دعمه لكن تاريخه المعذب يزيد من ويلات الأبن، فيبدأ عقله باستدعاء رؤى مرعبة عن رحلة والده القاسية من الهند إلى باكستان، معارك الراب المبكرة، ومشاريع العائلة التي انتهت جميعها بالفشل.يقضي المرض على إحساس زيد بالحيوية، يحاول تفحص فروة رأسه بخوف ليكتشف مناطق الصلع التي يحاول إخفاءها تماما كما يحاول الهروب من ماضيه المؤلم وهويته الدينية والثقافية المتضاربة، نستكشف معه معني أن تكون شخصا ذات بشرة داكنة في مجتمع غربي، عدم القدرة على التواصل مع ثقافة بدت وكأنها عالم بعيد وفي نفس الوقت العجز عن الانخراط داخل مجتمع مهووس بالتصنيفات العرقية.تمثل علاقة الأب وابنه قلب فيلم "Mogul Mowgli"، حيث يحارب كلاهما الصدمات الفردية والمشتركة، يكافحان من أجل التواصل مع ماضيهم وحاضرهم. تنعكس مخاوفهم بشأن هويتهم على بعضهم البعض، فبشير يحاول انقاذ حياة ابنه من خلال ربطه بتراثه الديني، وزيد ساخط على تلك الأعمال التي يراها محض خرافات. ذلك الصدام يكسر الواجهة التي أمضى زيد سنوات في بنائها بعيداً عن عائلته محاولا الاستقلال بهويته أو حتى التعرف على ذاته. وهي ما تقولها الطبيبة بشكل صريح في أحد مشاهد الفيلم خلال تشخيص حالته المرضية "جسده لا يستطيع التعرف على نفسه، لذا فهو يهاجم نفسه".أمضى طارق وأحمد سنوات في صقل أفكارهما وتحويلها إلى قصة متماسكة. خلال مراحل ما قبل الإنتاج، فكروا في تصوير الفيلم في باكستان، لكنهم أدركوا أن تجربتهم المشتركة كانت تتعلق بالهويات المنقسمة، لذلك قام بسرد القصة في جانبين منفصلين، منزل العائلة والثقافة الخارجية الجديدة التي تحيط ببطله. وهو ما انعكس أيضاً على طاقم الفيلم المكون من مخرج أمريكي وممثلين أسيويين وإنتاج بريطاني.فيلم "Mogul Mowgli" هو تجربة عن الأقليات العرقية التي نادراً ما نراها في السينما، رحلة زيد من مؤدٍ لا يمكن إيقافه إلى شخص ضعيف ومذعور يخشى مواجهة ماضيه وحاضره. قدم خلاله أحمد واحداً من أكثر أدواره تفرداً وإبداعا حتى الأن.
مشاركة :