Conference.. عندما تصبح الذاكرة نقمة على صاحبها

  • 12/13/2020
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

ما الذي يجب تذكره؟ وما الذي يمكننا نسيانه؟، وإلى أي مدى تكون استعادة ذكريات الماضي الأليمة ضرورية للتصالح مع ذواتنا وللمضي قدما في حياتنا؟على ما يبدو أن صانعي السينما الروسية، وخاصة الشباب منهم، كان لديهم هاجس لإعادة نبش ذكريات الماضي القاسية في أفلامهم على مدار العامين الماضيين. ففي العام الماضي، قدم ابن الـ29 ربيعا كانتمير بالاجوف تحفته "Beanpole"، وأقتنص عنه جائزتي الإخراج وفيبرسي بقسم نظرة ما بمهرجان كان السينمائي، وعالج خلاله موضوع اضطراب ما بعد الصدمة لفتاتين في أعقاب الحرب العالمية الثانية. وهي نفس الحالة التي غلف بها إيفان تفردوفسكي (30 عاما)، فيلمه الجديد "Conference"، الفائز بجائزتي الإخراج وأفضل ممثلة بمهرجان القاهرة السينمائي الدولي في نسخته هذا العام.يتبع الفيلم شخصية ناتاشا (ناتاليا بافلينكو)، وهي راهبة تصل إلى موسكو قبل يوم واحد من الذكري السابعة عشر لهجوم مسرح دوبروفكا، الذي وقع عام 2002، وخلف ما يزيد عن 170 ضحية؛ وذلك لتنظيم أمسية تذكارية اعتادت على احيائها سنويا دون كلل أو تراخي برفقة الناجين وأقارب الضحايا الذين يتضاءل عددهم تدريجيا مع كل عام من احياء تلك الذكري المشؤمة.تتمكن ناتاشا من استئجار نفس المسرح الذي شهد الهجوم المروع لكن مديره يرفض ابرام العقد تحت مسمي "أمسية تذكارية"، فالجميع لا يريد تذكر ما حدث في تلك الليلة، ليمنحها عدة بدائل أخري لمليء خانة غرض الاستئجار يكون الأقرب من بينها كلمة "مؤتمر".عندما تستعد ناتاشا لإعادة الاتصال مع عائلتها وزيارة ابنتها وزوجها، نجد أن هناك حاجزاً فولاذيا يقف حائلاً أمام علاقة الأبنة بوالدتها، فهي لا تسمح لها بالاقتراب من المنزل أو حتى والدها الذي أصيب بالشلل، لا تردد لها سوي سؤلاً واحداً "إلى متي ستستمرين في تعذيبنا بهذا الشكل؟"، لنكتشف لاحقا أن بطلة الفيلم لم تكن على دراية بحالة زوجها المزرية كونها فقدت التواصل معهم منذ أن فقدت ابنها في الحادث وكرست ما تبقي من عمرها كراهبة بأحد الأديرة.خلال زمن الفيلم البالغ مدته الساعتين و9 دقائق، يشغل مشهد المسرح ما يقرب من ثلثي وقت العرض. حيث دعت ناتاشا الناجين وعائلاتهم، الذي لم تتجاوز أعدادهم عشرة أشخاص في القاعة التي تضم 800 مقعد. ترتدي عباءتها السوداء التي لا يظهر منها سوى وجهها الشاحب، ثم أوضحت لهم أنها احضرت مجسمات بشرية قابلة للنفخ تحمل ألوان الأبيض للضحايا والأسود للإرهابين والأزرق لمن لم استطاعوا الحضور في تلك الليلة.تقود ناتاشا الناجين إلى إعادة سرد المأساة وإعادة إحيائها مرة أخري، مشهد يكاد يكون أقرب إلى جلسات العلاج الجماعي، تصبح فيها بطلتنا كمرشد روحي، تحمل الميكرفون هنا وهناك لتدفع الحضور على الحديث وتصر على ضرورة استرجاع اللحظات الأكثر رعباً في حياتهم. ومع نهاية اليوم، يبدأ وعي ناتاشا الذاتي في التعثر والانهيار بشكل تدريجي ويصبح الحضور ونحن بدورنا رهائن في ذلك المسرح الذي باتت تسيطر عليه تلك السيدة بشكل هيستيري خارج حدود اللامعقول، مما أعاد خلق شبح المجزرة مجدداً بصورة مجازية.يبتعد تفردوفسكي عن الخلافات السياسية المحيطة بذلك الهجوم. وبدلاً من ذلك، فإن تعقيد الشخصية الرئيسية هو ما يدفع فضول المشاهد نحو طرح عدداً من الأسئلة: لماذا تكرهها ابنتها كثيرا؟ لماذا ظلت تلك السيدة مفقودة لفترة طويلة؟ ماذا تريد أن تحقق من وراء ما تفعله؟ تكمن الإجابات جزئيًا في الموضوع الشامل للخوف، الذي يتناوله الفيلم بطرق مختلفة ومركبة بالاعتماد علي هيكل سرد غير تقليدي جعلنا نشعر في ساعتين فقط كيف مرت 17 عاما على تلك السيدة، وهي تعاني مرارة الفقد والخوف من المضي قدما في الحياة.يختتم الفيلم بواحدة من أكثر النهايات الإنسانية والمؤلمة، ربما لأنه يكشف أن الآثار طويلة المدى للمذبحة على الناجين ليست مرتبطة بالصدمة نفسها، بل هي في الصدع الذي نشأ في أخلاق الفرد فلم يعد من الواضح حتى ما هو الصواب وما هو الخطأ. نهاية تلقي بنا في هاوية الحداد الأبدي الذي تعيشه ناتاشا، حتى باتت روحها جزءاً من منحوتة الرحمة التي اعتلت خشبة المسرح، وفيها نرى رأس المسيح متدليا من كتف العذراء مريم وهي تنظر نحو أبنها المغطى بالدماء نظرة صامتة شديدة الحزن والأسى على فقدانه.

مشاركة :