قبل انتقال عمليات ختان الأولاد إلى المستشفيات وعيادات الأطباء، وعلى امتداد تاريخ طويل، كانت مهنة المطهّر والمعروف بالعامية "الطهّار"، من المهن التي ينظر إلى صاحبها باحترام وتقدير، وكانت زيارته إلى المنازل حدثاً احتفالياً يميّز التقاليد التونسية. ليلة السابع والعشرين من رمضان ومن العادات التي دأب عليها التونسيون، ختان أولادهم ليلة السابع والعشرين من رمضان تيمّناً بليلة القدر، بحيث تنظم حفلات ويشهد جامع الصحابي الجليل عقبة بن نافع في مدينة القيروان سنوياً توافد مئات العائلات للاحتفال بختان أبنائهم في ليلة ختم القرآن الكريم في مسجد المدينة. كما تتكفل المؤسسات الصحية الحكومية بمشاركة مؤسسات محلية في عمليات ختان أبناء المعوزين، وهذه العادات تعتبر ذات أهمية في التقاليد الاجتماعية التونسية، إذ يتم ختان الأولاد في سن متأخرة، وبعضهم بعد السنة الأولى من التعليم الابتدائي. ويصف الشيخ علي غربال إمام مسجد بتونس، احتفال التونسيين وختان أولادهم في ليلة السابع والعشرين من رمضان بأنه "تأكيد على عمق الترابط الروحي والقيمة" التي يعطونها للشهر الكريم، بخاصة ليلة القدر المباركة. لكل زمان حال يقول الممرض لطفي نويبلي الذي درس التمريض ومرخص له بختان الأطفال، ويملك محلاً خاصاً في أحد أحياء العاصمة إن "مهنة المطهّر أو المعروف في تونس بالطهّار، فقدت الكثير من أهميتها، وتراجع عدد من يقومون بختان أولادهم في منازلهم، مع تطور المستشفيات والمصحات الخاصة". ويضيف "التقنيات التي نستعملها اليوم مختلفة، فلم تعُد صورة المطهّر حامل الحقيبة التي فيها أدوات جراحة بدائية، بل تتم العملية عبر أجهزة طبية تسهّل إنجازها من دون أوجاع أو دماء كما كانت العادة في السابق"، معتبراً أن تراجع عدد من يقومون بالختان أمر طبيعي مع تطور الحياة واندثار المهنة. العادات تتوارثها الأجيال الاحتفال بالختان مناسبة تتجند العائلة لإنجاحها، وأهم مظاهرها التي ما زالت متأصلة، شراء الملابس التقليدية التونسية للطفل بمناسبة ختانه، وذلك من محال متخصصة في بيعها في أسواق مدينة تونس العتيقة. ويصف أحد التجار هذه العادات بأنها "تعبّر عن الفرحة بانتقال الطفل إلى سن التعلم". وبعكس دول إسلامية أخرى، فإن الختان يتم بين عمر 4 و7 سنوات، وكانت عائلات كثيرة تقيم الأفراح، فتحضر أمام المنزل فرقة موسيقى نحاسية ويركب الطفل في عربة مزينة يجرّها حصان، تدور في أرجاء الحي الذي يسكنه. جرة الفرح لا تقف الفرحة بالختان عند شراء الجبة التونسية التقليدية، بل يتفنّن الأهل بالإعداد لها. وعادة ما تأتي العائلات بجرّة فخار تملؤها بالحلويات والمكسرات، ولحظة الطهور تلقى على الأرض، فيتسابق الصغار للحصول على بعض ما في داخلها، وهي بحسب التاجر حسين الجزيري تستعمل لتثير اهتمام الطفل المختون لحظة الختان وهو يرى الأطفال يتسابقون لجمع ما تناثر من الجرّة التي كسرت، مضيفاً أن هذه العادات التونسية تعود إلى مئات السنين، والسوق وسط مدينة تونس العتيقة وجوار جامع الزيتونة تضم ذكريات وحكايات أجيال وأجيال تناقلوا المهنة ذاتها. فرحة العائلة تتحدث السيدة سميه المرساوي عن ذكرى ختان ابنها محمد. وتقول "حفل الختان ليس مجرّد حفل، فهو شعار ونصف دين نؤمن به بشدّة. ختان ابني البكر والوحيد عندما وصل إلى عمر أربع سنوات، كان مزيجاً من الفرح والخوف كأيّ أمّ تخشى المفاجآت الناجمة عن التخدير". وتضيف "كانت البداية بطلاء المنزل واستبدال الستائر القديمة بأخرى جديدة، وحتى الأواني والكؤوس كان لها نصيب في هذا الفرح المنتظر، والعائلات في تونس العاصمة تقصد مقام الولي الصالح سيدي محرز بن خلف قبل حفل الختان، فتشعل الشموع وتتصدق على الفقراء". التقاليد متأصلة وستبقى هذه العادات الضاربة في القدم في الثقافة التونسية، لم يستطِع أن يغيّرها تطور المجتمع الذي واكب تقدّم العلم وتحوّل الختان من المنزل إلى المستشفى، بل تمسّك بأصالة يفاخر بها. واعتبر أستاذ مادة التاريخ حمادي العريبي أن هذه الاحتفالات "تجسّد أصالة الشخصية التونسية لأن كل ما فيها من ملبس ومأكل وطبيعة احتفالية تعود إلى عمق تاريخها ولا يوجد فيها ما هو خارج التعبير عن الارتباط بين الإنسان والأرض في تونس".
مشاركة :