وضع الناقد الأدبي سليمان الأزرعي بـهواجس الرواية الأردنية الجديدة ثمانين رواية تحت مجهر النقد، مُبحرا في المضامين التي تناولها المبدعون وتقديم مقاربات حولها. والكتاب -الصادر عن دار أزمنة بالعاصمة عمّان- هو الـ14 في سلسلة إصدارات الأزرعي النقدية بميدان الرواية، ويعتبر تتويجا لتجربته النقدية، وتتبعا لعدد من أعمال الروائيين الأردنيين مثل غالب هلسا وتيسير السبول ومؤنس الرزاز وقاسم توفيق وإبراهيم نصر الله وجمال ناجي وغيرهم. وتضمن الكتاب عشرة محاور أبرزها جذور التيار الوجودي، وصرخات الدفاع عن الأنثى، والقمع السياسي، والدفاع عن الحرية، وجلد الذات، والحضور الضاغط للماضي في مواجهة الراهن، والاغتراب، وإشكالية التجنيس الأدبي، وتوثيق الموروث الشعبي، وكوابيس عالم المال والأعمال، وما تشكله المدينة من ضغط على أرواح المبدعين المنحدرين من الريف. التيار الوجودي ويولي الكتاب اهتماما بجذور التيار الوجودي الذي بقي -وفق الدكتور الأزرعي- مؤجلا حتى العشر سنوات الأخيرة، حيث بدأت تظهر الأعمال الوجودية الروائية المكتملة. وقال الأزرعي للجزيرة نت إنه اكتشف خلال تجواله النقدي أن الروائي الأردني لم يستكمل وجوديته، بل شغلته القضايا الوطنية والقومية والاجتماعية، كما ظلت القضية الفلسطينية تشغل وجدانه بما يطرد ما تبقى من اهتمامات أخرى، ولهذا مارس الروائي الإرهاب ضد نفسه وتجنب الاستغراق بالمنحى الوجودي، حيث تبدو الوجودية ترفا أمام ضغط القضايا القومية والوطنية. ويلاحظ الناقد الأردني أنه في الفترة الأخيرة ظهرت إرهاصات التيار الوجودي في أعمال الروائي قاسم توفيق الذي لم يصدر عملا وجوديا متكاملا إلا عام 2015 بروايته حانة فوق التراب وهي عمل وجودي مكتمل متخفف مما يعوق اندفاع العمل الروائي وتحرره. وحول نظرة الروائيين للمرأة، يقول الأزرعي إنه لا يستطيع مثقف أن يأخذ موقفا معاديا من المرأة، وقد ظهرت بطلة ومحترمة في جميع الأعمال الأدبية. الجوائز والحيادية كما اعتبر صاحب كتاب هواجس الرواية الأردنية الجديدة أن المشهد الثقافي الأردني بالعقدين الأخيرين يبدو مشرقا ومحترما إذا ما قيس بالساحات العربية الشقيقة، وربما تكون الجوائز التي يحصدها أو يفوز بها المبدعون الأردنيون مؤشرا منصفا لما شهدته الحركة الأدبية مؤخرا، فقد اقترب جمال ناجي وإبراهيم نصر الله في أكثر من دورة من مراحل التصفيات النهائية، وخاصة جائزة البوكر العربية. وحول ما يثار عن عدم حيادية الجوائز، قال الأزرعي لا تبرأ الجوائز من الغرضية وتبقى متفاوتة في نظرتها للإبداع ومهنيتها وحياديتها، لكنها مؤشر على تقييم الإبداع. ويرى الأزرعي أن الجوائز الغربية بخاصة تعنى بموضوعات محددة كالجنس والديمقراطية وحقوق الإنسان وجريمة الشرف بوصفها أحد مظاهر التخلف في شرقنا العربي، وعلى المبدع أن يمارس وهو مقبل على ترجمة هذه القضايا أقصى درجات الصدق الفني، ويجانب هاجس إرضاء الذوق الغربي ومزاجه الثقافي كما فعل إبراهيم نصر الله في شرفة العار. الأكاديميون والنقد وفيما يتعلق بجدية الأدب، ينظر الأزرعي للإبداع بوصفه فعالية جمالية وإنسانية ووطنية في آن، ويعترف بأنه تلميذ في مدرسة الواقعية الاشتراكية التي تهتم بالمضمون ولا يسحرها الشكل، مؤكدا أن كلا الجانبين يتكاملان في العمل الناجح. ويرى الناقد الأردني أن للنقد دوره في متابعة الإنتاج الإبداعي، وهو متفاوت في تقديم الخدمة لأنه لا يشكل منظومة معيارية للنقاد، فما يعد اكتشافا وانتصارا أدبيا هنا قد يعد العكس في موقف نقدي آخر، لكن الإبداع لا يستغني عن النقد الذي ينبه للأعمال الأدبية الكبرى ويشير للأعطال والنواقص فيها. وقال أيضا إن الأكاديميين لم يقوموا بواجباتهم النقدية تجاه الإبداع الأردني بسبب انشغالهم بالأعمال العالمية والعربية الكبرى لاعتقادهم أن إجراء الأبحاث يساعد في ترقيتهم الأكاديمية، ولم يعتقدوا بأن الأدب الأردني وبحوثه تجلب لهم الهدف ذاته. وتحدث الأزرعي عن مساهمته النقدية والدكتور يوسف بكار والراحلين هاشم وعبد الرحمن ياغي وإحسان عباس وناصر الدين الأسد، حيث أوضح أن أكثرية النقاد الذين خدموا الحركة الأدبية لم يأتوا من ميدان العمل الأكاديمي. كما رفض الدعوة إلى نظرية نقدية عربية ووصفها بالأمر الساذج، وقال إن التراث العربي مليء بالجهود النقدية العميقة فنحن يغنينا التعدد ونحتاج باستمرار للبحث والتنقيب في التراث النقدي العربي القديم. وعزا تلك الدعوة إلى فشل مشاريع الوحدة وبالتالي أصبحنا نتطلع لأي شكل خادع من أشكال الوحدة. يُذكر أن الأزرعي قاص وناقد وأكاديمي أصدر عدة مؤلفات بينها تحديات الفكر والثقافة العربية، الشاعر القتيل، دراسات في الرواية والقصة الأردنية، الرواية الجديدة في الأردن، فلسطين في الرواية الأردنية، لعنة المدينة، العبور إلى الحاضرة، البحث عن وطن.
مشاركة :