كان حلم ليس مطلع قصيدة غزلية أو أي غرض آخر من أغراض الشعر المعروفة ؟ وإنما هو عنوان لحالة في الماضي والحاضر والمستقبل. حُلُم جميع الناس صغيرهم وكبيرهم متعلمهم وأميهم سواء كان رجلاً أو أمرأة. حُلُم الطفل الصغير في أن يجد قدوة يقتدي به في العلم والثقافة وليس في الهرج والمرج. حُلُم كل شاب أن يجد أمل في قدوة حققت النجاح وتغلبت على الصعاب فيكون له مرشدأً. حُلُم كل شيخ مسن في أن يحتمي برمز قوى يتكئ عليه في مواجهة الزمان وصعابه. حلم كل فتاة أن تجد فتى أحلامها في عالم متميز يحقق كل أحلامها دفعة واحدة. حُلُم أمة تدّاعت عليها الأمم من كل حدب وصوب وأن تجد ضالتها في أبنائها ليكونوا رمزاً لقوة تحتمي بهم وفيهم من خلال علمهم ونبوغهم وتجد فيهم ضالتها فيكفوها مذلة السؤال والعوذ والوقوف على أبواب المعونات وصندوق النقد الدولي والتخلص من التبعية الاقتصادية والسياسية والابتزاز بكل أنواعه. كان حلم عندما وجدنا بيننا علي مصطفى مشرفة آينشتاين العرب ابن دمياط الذي ولد عام 1898 ، ونشأ على حفظ القرآن وأظهر نبوغاً منذ نشأته وتم ارساله إلى جامعة لندن 1920 وحصل على الدكتوراة في فلسفة العلوم 1923 ، من الكلية الملكية وكان المشرف عليه في الدكتوراة عالم الفيزياء الشهير تشارلز توماس ويلسون، وحصل مشرفة على الدكتوراة في العلوم من جامعة لندن 1924 ، ليكون من بين أحد عشر عالماً في العالم يحصل على هذه الدرجة، وعاد إلى مصر ليعمل أستاذاً مشاركاً في الرياضيات التطبيقية بكلية العلوم بجامعة القاهرة ثم عميداً لها، وقد نشر أبحاثه العلمية وعمره لم يتجاوز خمسة وعشرين عاماً وألف عدة كتب في الميكانيكا العلمية والنظرية والهندسة الوصفية والمستوية والفراغية والذرة والقنابل الذرية وسر تفتت الذرة، وتوفي في 15 يناير 1950، إثر أزمة قلبية !!!!!!. كان حلم لما ظهرت بيننا سميرة موسى ابنة محافظة الغربية والمولودة في عام 1917، وأظهرت تفوقاً علمياً ملحوظاً في جميع مراحل تعليمها حتى حصلت على بكالوريوس العلوم بترتيب الأولى على دفعتها ثم حصلت على الماجستير في موضوع التواصل الحراري للغازات ثم حصلت على الدكتوراة في الاشعة السينية من بريطانيا، وقد سعت الولايات المتحدة الأمريكية إلى احتضانها وعرضت عليها الجنسية الامريكية ولكنها رفضت وعادت الى مصر وانشأت هيئة الطاقة الذرية وعملت على تنظيم لقاءات دولية حول الطاقة الذرية وكيفية تسخيرها لخدمة الانسان وظلت تجتهد في أبحاثها ناشرة أو محاضرة حتى زيارتها لأحد المعامل النووية بكاليفورنيا 1952 وأثناء رجوعها من المعامل فأجاتها سيارة وصدمتها وألقت بها في منحدر وتوفيت العالمة المصرية وقيدت الحادثة ضد مجهول!!!! كان حلم عندما وجدنا بيننا سمير نجيب عالم الذرة المصري حباً ومولداً والذي كان أستاذاً بإحدى جامعات الولايات المتحدة الأمريكية وعندما قرر العودة إلى مصر بعد حرب 1967، تم أغتياله بواسطة شاحنة أصددمت به وهو يقود سيارته في عام 1967، وتم قيد العملية على أنها حادث سير!!!! كان حلما عندما ظهر بيننا نبيل القليني أحد أبناء المنصورة والمولود عام 1939، والذي حصل على الدكتوراة من جامعة براغ بتشيكوسلوفاكيا وأجرى عدة أبحاث متميزة في الذرة وتم أغتياله بعد مكالمة تليفونية تلقاها عام 1975 ، وخرج بعد المكالمة ولم يعد حتى الآن!!!! كان حلم لما وجدنا في آخر النفق المظلم فتى متميزاً علماً وخلقاً ومصرياً بمعنى الكلمة وهو يحيى المشد المولود عام 1932 والذي أظهر تميزاً واضح في قسم الهندسة الكهربائية بجامعة الإسكندرية وتم ارساله في بعثة دراسية الى جامعة كامبريدج ببريطانيا عام 1936 ولكنها تحولت الى موسكو بسبب العدوان الثلاثي على مصر حيث ظل بموسكو ست سنوات ورجع الى مصر ليكون خبيراً في مجال التصميم والتحكم في المفاعلات النووية في المفاعل النووي بأنشاص ثم لفت انتباه العالم بأبحاثه واستدعته النرويج للتدريس بجامعاتها وعرضت عليه التجنيس ولكنه رفض حباً وانتماءً لمصريته وعروبته التي نادى بها مفتخراً في إحدى محاضراته ومعارضاً للحركة الصهيونية في العالم وخاصة فلسطين مما جلب اليه عداء ومضايقات كثيرة وتهديدات اضُطر في النهاية للعودة إلى القاهرة ثم مكث فترة حتى كانت تطلعات العراق لتأسيس برنامج نووي ولم تجد العراق خير من يحيى المشد ليشرف على هذا البرنامج وتكليفه بالرئاسة والاشراف على البرنامج النووي العراقي الفرنسي المشترك، وأخر هذه النشاطات كانت بفرنسا لمعاينة شحنة من اليورانيوم قد اتفقت عليها العراق مع فرنسا، ولكن تلك كانت الرحلة الأخيرة ليحيى المشد حيث تم العثور عليه مقتولاً بألة حادة في غرفته بالفندق الذي كان يقيم فيه يوم 14 يونيو 1980، وتم قيد القضية ضد مجهول في ذلك الوقت، وتم بعد ذلك معرفة أنها كانت عملية من تدبير وتنفيذ الموساد كما جاء في كتاب جواسيس جدعون لجوردن توماس. كان حلم لما وجدنا بيننا سعيد السيد بدير العالم المصري الذي تخصص في مجال الاتصال بالأقمار الصناعية والمركبات الفضائية والذي توصل من خلال أبحاثه إلى نتائج متقدمة جعلته يحتل المرتبة الثالثة عشر بين علماء العالم في مجال الهندسة التكنولوجية الخاصة بالصواريخ، وتم قتله في عملية قتل متعمدة عام 1989، ومازال من يقف وراء الحادث مجهول!!!! كان حلم عندما ظهر بيننا جمال حمدان المؤرخ المصري الذي كان ذو فهم عال للأبعاد الاستراتيجية للقضايا الكبرى ووظف تخصصه في الجغرافيا في فهم حركية التاريخ وتطورات الأحداث العالمية وسبق له أن تنبأ عام 1968بانهيار الاتحاد السوفيتي وقد حدث، وصب كل اهتمامه بإسرائيل وتفكيك بنيتها الفكرية والأصول التي بنت عليها مشروعها ونجح في هدم الكثير من مزاعمهم ومبادئهم التي يحاولون نشرها في العالم، وظل يجد ويجتهد في ذلك حتى تم العصور عليه جثة نصفها الأسفل محترق في عام 1993 وتم قيدها على أنها تسرب للغاز!!!! بعد كل هذه الأمنيات والأحلام التي أسعدتنا بأعمال أشخاصها وأعطتنا بريق من الأمل أننا نستطيع أن نكون تصنيف بين الدول المتقدمة؛ ولكن انتابنا الحزن لفقدنا لهؤلاء الذين حاولوا أن يسعدونا ويساعدونا بما حباهم الله عزوجل من نعمة النبوغ والوطنية وحبهم لبلدهم واهلهم، وهناك أكيد أمثلة غيرهم لم نعرفهم بعد أو لم يتم الاصفاح عنهم أوتسطير التاريخ لحكاياتهم وسيرتهم الذاتية سواء منّا أو من غيرنا كما جاء في مذكرات الذين انشقوا عنهم وكانوا أحد عناصر المؤامرة علينا في كتاب جواسيس جدعون لجوردن توماس أو كتاب طريق الخداع لفيكتور بتروفسكي. فما زال الأمل لدينا في أن نجد أمثال مشرفة وسميرة موسى وسمير نجيب ونبيل القليني ويحيى المشد وسعيد بدير وجمال حمدان. لأنه كان حُلُم وسيظل حُلُم نحلم بتكراره وتحقيقه. [email protected]
مشاركة :