القاهرة - عندما علم المخرج اللبناني الشاب وسام طانيوس بعزم اثنين من أقاربه الهجرة بطريقة غير مشروعة إلى أوروبا تنامى لديه هاجس الفقد وسارع بتوثيق كل لحظة تالية بكاميرته عله يحتفظ بداخلها بشيء من الذكريات إلى أن أصبحت لديه تسجيلات تكفي لصنع فيلم وثائقي. ويشارك فيلم (نحن من هناك) في مسابقة آفاق السينما العربية بمهرجان القاهرة السينمائي الدولي في دورته الثانية والأربعين والتي تقام في الفترة من الثاني إلى العاشر من ديسمبر/كانون الأول. يتتبع الفيلم قصة ميلاد المحب للموسيقى وخاصة آلة البوق والذي يعيش في دمشق ويعمل بتدريس الموسيقى للأطفال لكنه أدرك أن بقاءه في سوريا لن يحقق أي من طموحاته في حياة أفضل سواء اجتماعيا أو فنيا فيقرر السفر من خلال الاستعانة بمهربي البشر. وفي بيروت يقيم أخوه جميل الذي يعمل في ساحة انتظار سيارات لكنه هو الآخر يتطلع إلى مستقبل أفضل ولا يريد أن يقضي بقية عمره لاجئا في بلد آخر خاصة أن هذا البلد يعاني أيضا من مشكلات اقتصادية وسياسية كثيرة. وعلى غير المتوقع في مثل هذه الأفلام عن الهجرة غير الشرعية يقدم المخرج تفاصيل المغامرة كاملة عبر البحر المتوسط على الشاشة بالاستعانة بجميل الذي ظل يصور الرحلة بدءا من تركيا إلى اليونان إلى مقدونيا ثم صربيا والمجر وصولا إلى السويد. وبينما استقر جميل في السويد وبدأ في العمل بمجال النجارة امتدت رحلة ميلاد إلى ألمانيا حيث أصر على تحقيق ذاته فنيا وبدأ في تقديم موسيقاه الخاصة. لكن وصول ميلاد وجميل إلى أوروبا وبدء كل منهما حياة جديدة هناك لم يكتب النهاية السعيدة للفيلم لأن ما ركز عليه المخرج هو الثمن الباهظ الذي ظل يدفعه كلاهما مقابل قرار الهجرة وترك الأهل والوطن.وبفضل شغف والد ميلاد وجميل بالتصوير منذ سنوات طويلة استطاع مخرج الفيلم توظيف مادة تسجيلية من أرشيف العائلة في الربط بين حياة الشابين حاليا والماضي الذي تركاه في دمشق حيث ورشة نجارة الأب التي تعلما فيها كل شيء تقريبا عن الحياة. وظلت ورشة النجارة هي الرمز الذي يختصر معنى الوطن والذكريات في قلب ميلاد وجميل وكلما أرادا الاطمئنان على عائلتهما بحثا عبر تطبيق خرائط جوجل عن الورشة حتى يتأكدا أنها لا تزال موجودة ولم تختفي من على الخريطة. وبعد العرض الأول للفيلم في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا أمس الاثنين بمهرجان القاهرة السينمائي الدولي، قال المخرج وسام طانيوس إنه ظل يتتبع مشوار ميلاد وجميل من 2015 وحتى 2020. وقال "ساهم ميلاد وجميل في صناعة الفيلم ليس فقط بظهورهما وقبول توثيق رحلتيهما لكن شاركا في التصوير أيضا من خلال لقطات فاجأتني بشكل كبير على متن قارب الهجرة وأثناء عبور الحدود من بلد لآخر". وأضاف "ربما بدت رحلة جميل تحديدا على الشاشة سهلة ووصل بشكل آمن لشواطئ أوروبا لكن ما كان يعنيني هو التركيز على رحلة العبور النفسي أو النقلة التي حدثت في الحياة بعد الهجرة". وأشار إلى أنه بعد استقرار كل منهما في بلد كانت هناك الكثير من القضايا والمشكلات التي يمكن أن يتطرق الفيلم لها لكنه أراد أن يظل معنى الوطن وقيمته هو المحور الرئيسي للعمل. ويعلن مهرجان القاهرة السينمائي الدولي جوائز دورته الثانية والأربعين بعد غد الخميس في حفل الختام بدار الأوبرا المصرية.
مشاركة :