رحلة الزمن بين الماضي والحاضر والمستقبل

  • 12/9/2020
  • 00:00
  • 6
  • 0
  • 0
news-picture

إحكام السيطرة على تفكيرنا في الحاضر سوف يجعل أفكارنا مركزة بوضوح على ما نود أن نكون عليه حقًا في اللحظة التي نقف فيها من زاوية الفرص الحاضرة وليس من زاوية الآمال المنتظرة في المستقبل. لقد التفتت كثير من المجتمعات إلى الحاضر وفعلته وأدخلته في حياتها باعتباره المقياس العالمي للحكم على النجاح في الدول والمؤسسات والأشخاص.. وضع د. كارينجي عبارة التقطها طالب الطب ويليام أوسلير من إحدى كتب الفلسفة مدخلًا لكتابه How to Stop Worrying and Start Liuing. كان ويليام حينها يتأهب لدخول الامتحان النهائي في كلية الطب وقد صادف أن قرأ تلك الكلمات العام 1871م، وكان لها تأثير عميق على حياته جعلت منه أشهر أطباء جيله، وأحالته إلى أستاذ جامعي في أربع جامعات عالمية من بينها جامعتي ييل وأكسفورد، وعلى إثرها أسس كلية جونز هوبكنز الشهيرة والتي تعتبر من أوائل كليات الطب في التصنيف العالمي ونال لقب فارس من ملك إنجلترا. تقول الكلمات التي كان كتبها توماس كارلايل: "علينا ألا ننشغل بما يقع بعيدًا عن أنظارنا ومتناول أيدينا وأن نركز على ما هو موجود بين أيدينا". كان لتلك الكلمات وقع على حياته، وبعد اثنين وأربعين عامًا على قراءته لتلك المقولة وقف في قاعة جامعة ييل مخاطبًا طلاب الجامعة قائلًا لهم: "لقد أحالتني هذه الكلمات إلى أستاذ في أربع جامعات عالمية عريقة، وأنشأت كلية جونز هوبكنز الشهيرة، وألفت كتابًا شهيرًا، وحصلت على لقب فارس من ملك إنجلترا، ولذلك عليكم ألا تلتفتوا للأيام السالفة والأيام التي لم تأت بعد وتعيشوا اللحظة الحاضرة، فأفضل وسيلة للغد التركيز بكل القدرات الذهنية على الحاضر فهو الوقت الوحيد المتاح لنا أن نعيشه ويدلل على قدرتنا في امتلاك الآن"، ولكن ما نعانيه أننا في لحظة الحاضر نعيش الغد ولذلك أصبح الحاضر مجرد وسيلة للوصول إلى المستقبل وفي هذه الحال لا نحصل لا على الحاضر ولا على المستقبل. ولكن هل علينا أن ننشغل بالماضي ونفكر فيه ونتحدث عنه سلبًا أو إيجابًا؟ يقول إكهارت تول مؤلف كتاب (قوة الآن): "إن التفكير في الماضي يعجل بشيخوختنا من خلال تراكمات الماضي داخل النفس، ولذلك فإننا لا نحتاج إلى الماضي إلا ما له صلة مباشرة بالحاضر". فاللحظة الراهنة هي كل ما لدينا والتي نشعر معها بالكينونة وكمال الحياة. "لقد نشأنا في ظل ثقافة تحتفي بالمستقبل ولا تقيم وزنًا للحاضر وبذلك لم يعد للحاضر وجود في حياتنا وهذا هو سر بقائنا في مكاننا إلى الأبد"، هذه الفقرة مقتبسة من كتاب The Indian Heritage للمفكر الاجتماعي همايون كبير، والذي كان وقتها وزير العلوم والبحث العلمي والثقافة في الهند الحديثة. الكتاب عبارة عن سلسلة محاضرات ألقاها الرجل في جامعة أكسفورد في بريطانيا متناولًا فيها الهند والشرق عمومًا. يقول همايون: "إن الغرب تفرغ تفرغًا تامًا للحياة في الحاضر ولم ينشغل في التفكير بالمستقبل على خلاف الشرق الذي أرهق نفسه فيما سوف يحدث في الغد والنظر باحتفائية كبيرة للمستقبل متجاهلًا دور الحاضر". فتركيزنا على المستقبل أضاع علينا فرص الحاضر وهذا بالضبط سبّب لنا إخفاقًا كبيرًا، إذ إن مركز قوة الحياة يتمثل في الآن وليس في الغد، ولذلك علينا أن نعيد النظر في تلك الفلسفة ونفتح نوافذنا إلى الأبد للحظة الحاضرة. واليوم على وقع هذه الفلسفة علينا أن نعيش حياتنا لحظة بلحظة، لقد كان انشغالنا الطويل في التفكير في المستقبل على حساب الحاضر غلطة تاريخية شنيعة. فإحكام السيطرة على تفكيرنا في الحاضر سوف يجعل أفكارنا مركزة بوضوح على ما نود أن نكون عليه حقًا في اللحظة التي نقف فيها من زاوية الفرص الحاضرة وليس من زاوية الآمال المنتظرة في المستقبل. لقد التفتت كثير من المجتمعات إلى الحاضر وفعلته وأدخلته في حياتها باعتباره المقياس العالمي للحكم على النجاح في الدول والمؤسسات والأشخاص. يقول د. بيتر دركر: "إن الزمن الحاضر هو أندر الموارد على الإطلاق، وإذا لم تتم إدارته واستثماره باقتدار فلن تتم إدارة أي شيء آخر". فتفعيل اللحظة الحالية في حياتنا يشكل بداية يقظة وعينا، فقوة حضورنا تتشكل في الحاضر، فعندما نرى واقعنا الحاضر بمزيد من الوضوح ندرك دور الخطوة الأولى لرحلتنا ودور الحاضر في تشكيل وعينا للعبور بنا إلى المستقبل الذي سيتحول حاضرًا فيما بعد.

مشاركة :