مقدمةالحمدُ للهِ ربِّ العالمين ، الملكِ الحقِّ المبين، والصلاة والسلامُ على سيدنا محمَّدٍ وعلى آله وأصحابه أجمعين .أمّا بعدُ:فتجديدُالخطاب الديني هو: باب من أبواب العلم والفهم عن الله ورسوله صلى الله عليه وسلم إذْ أشار إليه النبي صلى الله عليه وسلم حين قال: إن الله يبعث على رأس على كل مائة سنة من يجدد لهذه الأمة دينها "ومنه نفهم أن الأمة يعرض لبعض أبنائها من عوارض النسيان أو الغفلة والإهمال ما يجعلهم يبتعدون عن جادة الصواب في فهم كتاب ربهم وسنة نبيهم ، وقد يعرض لها من كيد العدو وحيلته ما يسبب ذلك ، ومن رحمة الله تعالى أنه يبعث ويرسل ويؤيد من عباده من يجعل على يديه ردهم لجادة الطريق وصحيح الفهم .مثلما وقع من المرتدين ، فأيد الله سيدنا أبا بكررضي الله عنه ونصره عليهم في حروب الردة، ومثلما وقع من سيدنا عمر رضي الله عنه ، حين حدّث سيدنا أبابكر رضي الله عنه في جمع القرآن الكريم فشرح الله صدرأبابكر لذلك وأمر به ، وقريب من ذلك ما كان أيام صلاح الدين حين كتب له الإمامُ الغزالي عقيدة أهل السنة ، ليجمع الناس عليها ، بعد زوال الشيعة ودولتهم من مصر. وتستمرُّ الدنيا بأيامها لتقع بلادُ العرب فريسة للاستعمار الذي غزا البلاد بل والعقول ، وللأسف فإن الذين نقلوا معارف الغرب إلينا سعوا لنقل الفلسفات والأفكار وكثير منها لا يناسب حضارتنا الإسلامية خاصة في النظرة للإنسان وعلاقته بالله والكون والناس. وظهرت الخوارج تحت مسميات وأفكار ولبّسوا على الناس بلِحى أطلقوها وملابس قصروها فانخدع من انخدع وسعوا في الأرض الفساد.فوجب تجديد ما درس من الدين وتصحيح الفهم للكتاب والسنة وواقع الحياة من حولنا. وطالب الفضلاء بالتجديد والتمسوا ذلك ، فاشتكى البعض من عدم وضوح معنى التجديد وكيف يكون؟ وارتاب آخرون في المطالبة بالتجديد وتخوفوا أن يكون كيدا يراد بدينهم. فوجب توضيح المراد به لغة واصطلاحا والاستدلال على صحته ، وضرب الأمثال عليه ، ثم طرح بعض الاقتراحات التي تؤدي للتجديد وإحياء ما درس وغاب من الفهم والعلم وسوف أحاول بعض هذا وهذا جهد المقل والله المستعان وعليه التكلان . تعريف:علم تجديد الخطاب الدينيولابد لكل علم من تعريف وتحديد ولذا لابد من تناول كلمتي: التجديد والخطاب بالتعريف اللغوي لنخلص إلى اصطلاح نصطلح عليه في تحديد معنى :( تجديد الخطاب الديني) فأقول وبالله التوفيق :التجديدُ لغةً يقول ابن منظور :الجِدَّةُ: نقيضُ البِلَى ، يُقالُ شيئٌ جديدٌ ، وجدَّ الشيئُ صارَ جديدًا ، وأجدَّهُ وجدَّدهُ واستجدَّهُ أيْ : صيَّرهَ جديدًا ، والجديدانِ : اللَّيْلُ والنَّهارُ لأنهما لا يبليانِ أبدًا ،وجُدَّةُ كلِّ شيئٍ : طريقتُهُ وعَلامَتُهُ ، وجادَّةُ الطَّرِيقِ: خُطَّةٌ مُسْتَقِيمَةٌ ، والجُدَدُ : ما اسْتوى من الأرضِ ، تقولُ : هذا طريقٌ جُدَدٌ ، إذا كان مُسْتَوِيًا لا حَدَبَ فيه ولا وَعَثٌ "راجع : لسان العرب لابن منظور (ج د د) 1-386 ط دار صادر بيروت.والخِطَابُ لغة :يقول ابنُ منظور : والخطابُ والمُخَاطَبَةُ : مُراجَعَةُ الكلام ، والخُطْبَةُ : مصدرُالخطيبِ ، وخَطَبَ الخاطبُ على المِنبَرِ واخْتَطَبَ : يَخْطُبُ خُطبَةً ،والذي قال : إنَّ الخُطْبَةَ مصدرُ الخطيبِ ، لايجوزُ إلاّ على وجْهٍ واحدٍ ، وهو:أنَّ الخُطْبَةَ اسمٌ للكلامِ الذي يَتَكَلَّمُ به الخطيبُ ، فيُوضَعُ موْضِعَ المصدرِ ، والخطبةُ مثلُ الرِّسالةِ التي لها أوَّلٌ وآخِرٌ ، وجمعُ الخطيبِ : خُطَبَاءُ"راجع :لسان العرب (خ ط ب ) 2-275و276 بتصرف ولذا نستطيع بناء على المعنى اللغوي لكلمتي (الخطاب)و(التجديد) أن نقول: إن تجديد الخطاب الديني اصْطِلاحًا - ولا مشاحة في الاصطلاح - هو: مُعالَجَةُ كلام ِ الخُطَبَاءِ والكُتَّابِ ، مِن أجلِ تَجْدِيدِ المُتَصَوَّرِ والمُعْتَقَدِ لدَى النّاسِ ، ليصيرَ مُتَّفِقًا مع الدِّينِ الخالِصِ الذي أنزله الله ُ غَضًَّا طَرِيًّا.فليس تغييرا ولا تبديلا للدين ، ولكن تجديدٌ وتصويبٌ للمعتقدات والمفاهيمِ المغلوطَةِ التي شاعت لدى الناسِ بسبب الجهل أو النسيان أو كيد العدو . والله أعلم.الدَّليلُ على مشروعِيَّتِهوإذا توصلنا لتعريف نصطلح عليه تطلب المقام دليلا على شرعيته فأقول :1- جاءَ في الحديثِ الصَّحِيحِ "إنَّ اللّهَ يَبعَثُ على رَأْسِ كُلِّ مائةِ سَنَةٍ مَن يُجَدِّدُ لهذه الأُمَّةِ دينَها "رواه أبو داوود في سننه برقم 4291 والحاكم في المستدرك 4-522وفي شروح العلماء على هذا الحديث ما يقوم مقام ما نحن بصدده ويزيد. 2- وجاء مُرْسَلًا : يحملُ هذا العلمَ مِن كلِّ خَلَفٍ عُدُولُهُ ، ينفون عنه تحريفَ الغالينَ ، وانتِحالَ المُبطِلينَ ".راجع : البداية والنهاية لابن كثير 6-256هدفه وثمرته:وما دام التجديد علما له تعريف ودليل فما الهدف منه؟ أقول - والله أعلم - : هدف التجديد وثمرته : النصيحة لكتاب الله تعالى بتيسيروتصحيح فهمه ، والنصيحة لرسول الله صلى الله عليه وسلم بإحياء سننه ، وتنقية الكتب من الضعيف والباطل ، وشرح الصحيح منها شرحا يوافق مراده صلى الله عليه وسلم ، والنصيحة لأئمة المسلمين بإخلاص النصح لهم ومجابهة الخارجين عليه بتفنيد أقوالهم وعرضها على الثوابت والمعلوم من الدين بالضرورة فيحسن ظن الأئمة بالعلماء فتعود للعلم ولايته ومكانته ، والنصيحة لعامة المسلمين برفع سطوة الخوارج عنهم الذين يستغلون ضعف فهمهم ويصلونهم نار التكفير والتبديع دون وجه حق فنبين لهم كيف يردون بدعِ وخرافاتِ الخوارجِ، ونبعثِ الأملِ في نفوس الأمةِ. مجالاته : التجديدُ يكون في : فهم كتاب الله تعالى وتفسيره ميسرا ،وتنقية الكتب من الكلام غير الصحيح المنسوب للسنة ، وفي الفقه ، والاقتصاد الإسلامي .رجال التجديد : قال ابن حجر : يشمل أفراد - جميع - العلماء . وقال الذهبي : الذي أعتقده أن لفظ التجديد للجمع وليس للفردأقول: والمجدِّدُ ليس بعيدا عن الأحداث الجسام ، ولا الحروبِ المعلنة على أهل الإسلام .والحديث يقول : إن الله يبعث " يعني : يختار مَن يرسلُهم للتجديد ، ويؤهِّلُهم للتصدِّي لنفع الأنام ، ومن أقوى أسباب التوفيق للمجدِّدين أن يلهم الله حاكمهم لذلك فيصير عونا للعلماء المجددين . والله أعلم .
مشاركة :