حين يجتمع أكثر من عشرين عالمًا من كبار علماء المملكة العربية السعودية الدولة الإسلامية الوحيدة في هذا العصر الحديث التي اتخذت القرآن الكريم والسنة النبوية دستورًا لها؛ ليكون هذان المصدران هما الحاكمان على جميع أنظمة الدولة، وذلك بنص دستوري جلي واضح (المادة السابعة من النظام الأساسي للحكم). لقد قرر نظام الدولة بأن الشريعة الإسلامية هي المصدر الأساسي للحكم، وكما قرر أيضاً في الأحكام بأنه لا سلطان على القضاء إلا سلطان الشريعة الإسلامية، (المادة السادسة والأربعون من النظام الأساسي للحكم). إن هذه الدولة الشريفة العليّة الحاضنة للحرمين الشريفين، ولمهد البعثة مكة ولطيبة مأوى صاحبها -صلى الله عليه وسلم- أوجبت على نفسها إعمار الحرمين الشريفين وخدمتهما، وتوفير الأمن والرعاية لقاصديهما في نص دستوري فريد غير مسبوق في العصر الحديث (راجع نص المادة الرابعة والعشرون من النظام الأساسي للحكم)، فأضحى الحرمان الشريفان في رعاية هذه الدولة السعودية الشرعية في توسعة عمرانية مطردة تكامل جيدها في العصر الحاضر بتوسعة ضخمة عملاقة لم يكتب تاريخ البشرية لها مثيلاً. إن جميع ما يصدر من دولتنا المباركة محكوم بالشرع، ومستند لحكمة التشريع، فهذا هو ما ينص عليه نظامها الأساسي للحكم (راجع نص المادة الخامسة والخمسون من النظام الأساس للحكم)، وهذا ما يردده دومًا في فضاء هذا العالم قادتها الغر الميامين، بل ويفتخرون ويفاخرون به منذ عصر المؤسس خادم الإسلام والمسلمين الملك عبدالعزيز بن سعود -طيب الله ثراه- إلى عهد الحازم العازم العالم مولاي الملك سلمان بن عبدالعزيز - حفظه الله -، الذي يؤازره عضيده الأمين سيدي صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز - حفظه الله. ولذا فحينما تتحدث أعلى هيئة علمية شرعية في هذه الدولة الإسلامية العلية فأرع لها سمعك، وافتح لها فؤادك وجوارحك، وامتثل لما أمرت، وازدجر عما نهت عنه، لأنها لا تأخذ إلا من معين الشرع المطهر: كتاب الله تعالى وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم، حيث قضى النظام الأساسي للحكم في مادته الخامسة والأربعين بأن مصدر الإفتاء في المملكة العربية السعودية كتاب الله وسنة رسولنا الكريم -صلى الله عليه وسلم، والإنسان مأمور باتباع الكتاب والسنة فعلاً لما أمرا به وتركا لما نهيا عنه. إن حوادث الدنيا ووقائعها وفتنها وتلبيساتها، وما يختلط فيها بين الحق والباطل في عقول البشر لا يكشفه إلا العلماء، ولا يجليّه إلا من بذلوا أنفسهم للعلم، فلا يدمغ الباطل فيه ويصدح بالحق إلا العلماء، لذا فمكانة العلم والعلماء عالية زكية عاطرة، فتذهب الأزمان ويبقى ذكر العلماء الربانيين في جميع العصور والدهور. لقد شجعت المملكة العربية السعودية العلم وقدرت العلماء ورفعت من شأنهم بأن جعلت لهم هيئة علمية وفق نص دستوري (راجع نص المادة الخامسة والأربعين من النظام الأساسي للحكم)، مما يدل على تقدير الدولة للعلم والعلماء ومكانتهم لديها ومنزلتهم لدى ولاة الأمر فيها. كما سعت الدولة في وقت مبكر إلى وضع تنظيم لهيئة كبار العلماء، وجعلت لهذه الهيئة تقنينها الدقيق فلا يدخلها إلا من استحق الوصف والصفة وبتوصية علمية وتجربة عملية وصدق وموثوقية، وللبيانات الصادرة عن الهيئة وفتاواها الاحترام الكبير والتنفيذ العاجل الدقيق على مستوى الدولة الرسمي وعلى المستوى الشعبي، فأعضاء هذه الهيئة مؤتمنون، وعن الله عز وجل موقعون، ولولاة الأمر ناصحون، ولعموم الأمة في الفتوى والتشريع ضامنون، فشأنهم كبير وحملهم ثقيل والأمانة الملقاة على عاتقهم عظيمة، وحقهم علينا الدعاء لهم بالتوفيق والتسديد. وإذا اختلطت الأمور أحياناًً فليس لنا بعد الله تعالى إلا العلماء الشرعيين، فالفتن إذا أقبلت لا يعرفها إلا العلماء وإذا أدبرت فإنها ستكون جلية! إن من أكبر الفتن والمصائب التي بلينا بها ما يُسمى بـ: «تنظيم جماعة الإخوان المسلمين»، هذه الجماعة الفاسدة والمنحرفة التي نبتت في بداية العصر الحديث وحظيت بالسقاء والرعاية من قبل أعداء هذا الدين، فألبسوها حب الإسلام والحرص المسلمين، وهي لا تريد إلا الدمار والفساد. فمن ينتسب إلى هذه الجماعة والمتعاطف معها تربوا على الإساءة والحسد والحقد والانتقام، ولذا فقد أدركت دولتنا المباركة الخطر الفكري والتنظيمي لهذه الجماعة التي تعتمد على المكر والخديعة والكذب والغش، ولتظهر شيئاً من دواخلها الإرهابية للعلن وتفضح ممارستها في اتباع التقية، فصنفت -ولله الحمد- من التنظيمات الإرهابية بعد أن ثبتت صلتها بالإرهاب الذي ما زال ينهش في جسد الأمة الإسلامية. إن ما قامت دولتنا المباركة من محاربة هذا الفكر وبيان خطر هذه الجماعة وأهدافها وخططها ونشر المنهج الشرعي الصحيح في التعامل معها، لهو خطوة جبارة تهدف لحماية الأمة الإسلامية من خطر هذه الجماعة الخبيثة، حيث عزمت الدولة -رعاها الله- اجتثاث هذه الشجرة الخبيثة والحفاظ على ما تبقى من جسد الأمة الإسلامية لينمو هذا الجسد من جديد صحيحًا معافى قوياً متماسكاً. إن مما يبعث الألم والحسرة في النفس ما يقوم به المناوئون والمنافقون والمرجفون، الذين يشوشون بكلام عاطفي يبروون به بعض التصرفات الإرهابية في لبوس من الدين مزخرف (والدين منه براء)، ومن هؤلاء -مع الأسف- من ولغ في تزكية هذه الجماعة باعتباره من علماء الشريعة! إما جهلاً منه بحقيقة هذه الجماعة أو مناصرة لها لكونه من زمرة تنظيمها أو لمصلحة دنيوية ضيقة، ولذا وبعد ظهور هذه الأصوات الغريبة والخطيرة التي قد تسهم في تشكيل العقل الجمعي لبعض أمة الإسلام مع خطورة هذه الجماعة والتنظيمات المنبثقة منها وممارساتها الخبيثة بشكل واضح، ولأن الدولة من واقع سياسي ودبلوماسي وأمني ودولي وبعد دراسة دقيقة وفاحصة لملف هذه الجماعة والتنظيمات التي خرجت من رحمها، ومن كل الجوانب السياسية والمالية والتنظيمية والفكرية تأكدت الدولة بما لا يدع مجالاً للشك بأن خطر هذه الجماعة كبير جدًا على الإسلام والمسلمين في عموم أرجاء الأرض. إن مبادرة هيئة كبار العلماء في تجريم هذه الجماعة الفاسدة استندت على كتاب الله وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم-، وذلك ببيان شافٍ وواضح يكشف خطورة هذه الجماعة وانحرافها وتطرفها وأنها لا تمثل منهج الإسلام الحق. وهكذا اجتمعت السياسة الشرعية مع الفتوى الشرعية لتدبير الأمة بما يصلحها، وذلك ببيان الحكم الشرعي في هذه الجماعة، حيث نص بيان هيئة كبار العلماء في إحدى فقراته بشكل واضح وجلي على الآتي: «فعُلم من هذا: أن كل ما يؤثر على وحدة الصف حول ولاة أمور المسلمين من بث شبه وأفكار، أو تأسيس جماعات ذات بيعة وتنظيم، أو غير ذلك، فهو محرم بدلالة الكتاب والسنة». وفي طليعة هذه الجماعات التي نحذر منها تنظيم جماعة الإخوان المسلمين، فهو تنظيم منحرف إرهابي فاسد مفسد، قائم على منازعة ولاة الأمر والخروج على الحكام، وإثارة الفتن في الدول، وزعزعة التعايش في الوطن الواحد، ووصف المجتمعات الإسلامية بالجاهلية. ومنذ تأسيس هذه الجماعة لم يظهر منها عناية بالعقيدة الإسلامية، ولا بعلوم الكتاب والسنة، وإنما غايتها الوصول إلى الحكم، ومن ثم كان تاريخ هذا التنظيم مليئاً بالشرور والفتن، ومن رَحِمه خرجت جماعاتٌ إرهابية متطرفة عاثت في البلاد والعباد فساداً مما هو معلوم ومشاهد من جرائم العنف والإرهاب حول العالم. ومما تقدم يتضح أن تنظيم جماعة الإخوان المسلمين الإرهابي لا تمثل منهج الإسلام، وإنما تتبع أهدافها الحزبية المخالفة لهدي ديننا الحنيف، وتتستر بالدين وتمارس ما يخالفه من الفرقة وإثارة الفتنة والعنف والإرهاب. فعلى الجميع الحذر من هذه الجماعة وعدم الانتماء إليها أو التعاطف معها. أخي القارئ الكريم أينما كنت: إن ما كتبته لا يمثل شيئاً من فساد وانحراف هذا التنظيم الإرهابي، ولذا يتوجب علينا التحذير من هذا التنظيم، ووأد فتنته وخطره لتخمد جحيم ناره، وتنطفئ شرارة الشر للأبد ولئلا يكون لشجرتها الخبيثة أي قرار على وجه الأرض. وأستبيح الإمام القحطاني -رحمه الله- في نونيته المشهورة فأقول: إن الإخوان شر من وطئ الحصى من كل إنس ناطق أو جان ** ** - أستاذ القانون الدولي بالمعهد العالي للقضاء
مشاركة :