سمير عطا الله: الحاكم العام

  • 11/16/2013
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

نحن كنا على الجانب السيئ الحظ من الإمبراطورية. كانت تشمل ربع المسكونة، ومع ذلك، نحن البقعة الأسوأ حظا. أنشأ «الإنجليز» دولة إسرائيل، وأزالوا معظم فلسطين، وتركوا لنا أن نتكفل إزالة الباقي، ومضوا. أما في الجهات الأخرى من الإمبراطورية، فقد أقاموا الولايات المتحدة وكندا وأستراليا. وأقاموا نيوزيلندا، أكبر مرعى في العالم. لماذا لم تصبح زيمبابوي، أو كينيا، مثل كندا؟ لماذا ليست نيجيريا مثل نيوزيلندا؟ لماذا ليست باكستان مثل الهند؟ لماذا انتقلت جنوب أفريقيا من أسوأ نظام استعماري إلى أغنى طبقة من الأفارقة؟ لماذا يشتري الهنود شركات مستعمريهم السابقين في بريطانيا؟ لا أدري. فلنسمِّه الحظ، لننتقل إلى موضوع آخر. ولكن ربما من الأفضل، أو الأنسب، أن نسميه الحظ والكد. الأرض في أميركا وكندا وأستراليا كانت أكثر تخلفا من أفريقيا وأقل ثروة. أو هل هو النظام؟ أي الديمقراطية التي تنجّي بيل كلينتون، على الرغم من كونه أنجح رئيس أميركي في قرن، فيما لا تستطيع زيمبابوي إزاحة روبرت موغابي، على الرغم من أنه أسوأ حاكم في أفريقيا؟ هذا الرجل الذي كان بالأمس رمز العِلم والحرية، فما إن قبض على السلطة حتى صار فيض الفساد والظلم. أسوأ بقعة في تاريخ الإمبراطورية كانت تجارة العبيد. لا يستطيع المرء أن يتحمل التفكير في تلك المرحلة. لكن هل كانت تجارة الرق الأسود أوسع من تجارة الرق الأبيض اليوم؟ هل عرف هذا الكوكب، في كل حروبه وكوارثه ومجاعاته، «الازدهار» الذي يعرفه الرق الأبيض اليوم؟ أو هو لم يعد رقا ولا حتى تجارة، بل مجرّد عمل منظّم من جملة الأعمال، له مكاتبه وفروعه؟ لندن المتحررة من أرزاء الإمبراطورية وآثامها، هي اليوم أهم بكثير من العاصمة الاستعمارية. لعلها أقل ازدهارا من «بناتها» في أميركا وكندا والقارة الأسترالية، لكنها «أمّهنّ» جميعا. يتكلّمن لغتها - بلهجات مضحكة أحيانا - ويرفعن أعلاما متفرعة من علمها. أما الذين أدانوا استعمارها ذات مرحلة، فيبحثون فيها عن ركن أو زاوية، أغنياء أو فقراء، كل في عالمه وإمكاناته. معظم الذين يأتون إليها هاربون من الاستعمار الجديد. من الاستعمار الوطني، الذي لا شبيه له في ظلام القرون الماضية من فساد وقمع وسجون وموت. الوحدات التي قامت في ظل الاستعمار تتفتت اليوم. والنماذج العاملة «بالإرث» الاستعماري هي الأكثر ازدهارا؛ هونغ كونغ وسنغافورة وجنوب أفريقيا. لا يزال «الرئيس» في كندا يسمى «الحاكم العام». وهو لا يحكم، لا عموما ولا خصوصا، لكنه يمثل الملكة في التأكد من أن كل شيء على ما يرام.

مشاركة :