سمير عطا الله: تقديم الذات على الحياة

  • 7/14/2014
  • 00:00
  • 9
  • 0
  • 0
news-picture

إذا دخلت إلى المكتبة كل يوم فسوف تجد دائما كتابا جديدا عن روما: كيف قامت؟ لماذا انهارت؟ كيف يمكن أن يحكمها مجنون مثل كاليغولا أو معتوه مثل نيرون؟ كيف تلاعبت بأباطرتها امرأة لعوب من الإسكندرية تدعى كليوباترا؟ لماذا لُقِّب القيصر بـ«أغسطس»؛ أي المقدس؟ وماذا تركت روما لحضارات العالم؟ منبع للمؤرخين وللرواة. وبهذا المعنى، كانت روما أغنى من الإمبراطورية العثمانية والإمبراطورية البريطانية. ولم تكن ثروتها الأدبية أقل من اليونان. أثينا تركت الفلسفة، وروما تركت القانون. مقدونيا تركت الإسكندر، وروما تركت عشرات القادة الذين وسَّعوا الإمبراطورية وبنوا آثارها. أثينا أرغمت أرسطو على الانتحار، وروما رعت عشرات المفكرين والشعراء. حتى نيرون، الحراق المعتوه، كان مستشاره سينيكا، أحد أهم مفكري العصور. لكن نيرون هو الذي أرغمه على الانتحار بتهمة التآمر عليه. كان مجد روما مثل معظم الإمبراطوريات، عمار وآداب وفنون وانتصارات. هولاكو احتل نصف الأرض ودمرها ولم يترك المغول شاعرا واحدا. لم يبق منهم سوى القطعان في البوادي الباردة وذكريات العراق وسوريا وبعض وحشيات الفرد والشعوب. أعادني إلى كل ذلك، ترجمة الدكتور عبد الله العروي لكتاب «تأملات في تاريخ الرومان» للمفكر مونتسكيو، أحد آباء الثورة الفرنسية ورجال الفكر القانوني في الغرب. يتأمل مونتسكيو سلوك الإمبراطورية ويخرج بدروس مذهلة حول طبائع البشر. تأمل الظواهر الغريبة الرهيبة حولك، ثم اقرأ: «إن حب الذات، الغريزة التي نحافظ بها على نفسنا، تكتسي ألوانا جد مختلفة وتعمل وفق مبادئ جد متباقية. فنحن نضحي بالذات شغفا بها. نعلي من قدر ذاتنا إلى حد أننا نقبل أن تفنى. نستجيب لغريزة غامضة نقدم بموجبها حب الذات على الحياة». هل يعني ذلك لك شيئا؟ هل تلاحظ ما نوعية الدوافع عند المتذابحين وبأي طريقة يُغسَل دماغهم؟ جميع أفرقائهم يتلقون درسا واحدا وبأسلوب واحد ومفهوم واحد: القتل فضيلة وهو (مع الموت)، طريق الشهامة والجنة. يمجدون لهم حب الذات حتى يصبح الموت هو غاية الشغف. يعطونهم ألقابا من التاريخ بحيث لا يموتون كأفراد عاديين، بل كقادة كبار. يتحول الموت والدمار وهلاك الأمم إلى مسرحية أطفال، كل واحد يلعب دورا بطوليا. ويصدقه.

مشاركة :