عمتي أم سعد (هيلة بنت محمد بن صالح المطلق)، مكثت أياماً وربما بضعة أسابيع على السرير الأبيض، فيما قلوب أحبتها أُشغفت وهي تهرع بالدعاء والرجاء من كريم العطاء أن يرفع عنها. لقد كنا قبيل أجلها متسربلين بين لحافي الأمل بها والوجوم منه، فسبق الأخير بالهجوم - الداء - إذ تطوّر سريعا، فدهور حالتها كداء عضال قضت منه نحبها ورحلت لربها من كانت درّة بين أهلها. لقد كانت (العمة) بمثابة صديقة للجميع، والحميمة على الكل.. فكل من تلتفت إليه يظن من جميل محياها وفرط تعابيرها ورواف ذاتها أنه أغلاهم بعينيها.. أما الأنس بمجلسها فحدث عن البحر.. بحق، فحسب من يميد بذاته إليه وهو الكسبان، أدناه الحظوة بإطلالتها، فالوقت هنياك يمضي - معها - ما لا تحسّ به ولا تحتسب ساعاته، فكيف بدقائقه والتي تمسي ثواني همس لا تعدّ مما يجول في مواعيدك قطعة نفيسة من الزمان عثرت عليها، إذ المكان مُلئ بمن غزت القلوب من غير ثقوب. فما انجلت من دنيانا إلا بعد أن شيدت بين أخشبي عمرنا ربيون منّا هم تلقاء وجهتها شمّروا، واللسان منهم يلهج/ يا (غائبينَ) وعرشُ القلبِ مسكنهم هذي المواجعُ رغمَ البُعدِ هل تصلُ؟! وهل علمتم بما ألقاهُ من ألمٍ وما بقلبي منَ (الأشواقِ)يشتعلُ .. لعل نادرا ذاك الذي يشق القلوب قبل الجلود فلا تلتف يمنة أو شمالا إلا وألفيت له حيزا.. ذاكم هي المكانة التي لعل العبير عنها لا يبدو لملامسك إلا أن يلثم أنفك مسك روح من القوم، كـ.. عطر رائحة من تتطيب الأطياب بذكرهم، فيما تاريخهم حقبة عذبة كانت تُمتع ذاتك بتواجد أولئك ، فماذا لك بعد أن رحلوا؟! فليس الحنين للشخص، ولكن لمدى ما أبقاه بك له.. عدا ما يهتدي الساري بنور منهمُ .. كذا كان - لنا - لقياها، فلعله من بريق ما اكتنزناه منها مما تطّلع عليه الأفئدة، فألفتت إلى جنباتها دروب حياتها، فقد كانت الغالية لقبا وقالبا، لأن أم سعد مصدر سعد يُنشر بين أعطاف كل من يزورها ما لا يكاد يلملم ذاته إلا وتنفرط كرّة أخرى بلا اختياره، وكم بدا هذا عن حالنا بعيد جلسة نأخذها على حين غرّة من سرحة الزمان، فيخرج الواحد وهو مشبع منها أنسا وحبا، بل ذات من جناها تقطف، ثم إليها من قريب للعمة تتلهف. وهكذا تمضي بنا جماليات وجوه الحياة.. كما.. وكذا يا قوم يغيب عنّا جمال الدنيا! ما ليس لأحدنا من خيار إزاء ما تصنع فلا تلطّف تبديه، ولا تجمل بنا تجاريه ألا يكفي أنها تأخذ مع العمر أنفسا عليها أنفاس تتقطع، ولبينها تتوجع وعليها وعلى ما ترك الرواحل مواثل.. لا ترى فيها بعد بُعدهم من أنس أو تذر..عدا ما يُذرّ بالعين من التجمل! فالتحمّل الذي لا شك نُبديه.. بلا اختيارنا فما لنا بهذه الأمور -الأقدار- اختيار، سوى التجلّد، ثم ما ننشد من العزيز الغفار الاحتساب بالصبر وأمل المثوبة على من نفارق نستوفيه يوم المعاد -هناك- غير منقوص. فحسب أنه سلب معه جزءاً من حياتنا، أو لنصرّح/ أُنسنا.. شيء منّا عزيز، لا نستطع.. أو لا نحسن وصفا لكنهه. رحم الله عمتي، وجبر قلب زوجها أبو سعد/ فهد الشمري، وأبنائه والبنات.
مشاركة :