في أجواء من الحماس، انطلقت رحلة "سلام" ما كانت ممكنة قبل أشهر، تجمع مشاركين من شرق ليبيا وغربها وجنوبها لاستكشاف بلدهم في سياحة داخلية تشهد انتعاشا في هذا البلد على الرغم من التحديات المرتبطة بالوضع الأمني وتداعيات جائحة كوفيد-19. تجمع المشاركون في الرحلة في النقطة المحددة في القريات المنطقة شبه الصحراوية التي تحيط بها الجبال وتعد واحدة من البوابات المؤدية إلى قلب الصحراء الليبية. وهي تربط مدن الشمال بمدن الجنوب وتبعد 300 كلم جنوبي العاصمة طرابلس. وقال المرشد السياحي والخبير في جغرافيا الصحراء جمعة عمر (55 عاما) لوكالة فرانس برس من داخل سيارته رباعية الدفع "تشاهدون الأجواء الحماسية استعدادا لانطلاق الرحلة الأضخم (...) لأنها ستنفذ بعدد 300 سيارة رباعية الدفع". ويحاول جمعة عمر منذ سنوات على غرار العاملين في قطاع السياحة، الترويج للسياحة الداخلية وتشجيع الليبيين على استكشاف بلادهم التي تحظى بتنوع جغرافي فريد يجمع بين طقس المتوسط وقساوة رمال الصحراء. ويبدو أن وقف إطلاق النار الذي وقع في نهاية تشرين الأول/أكتوبر الماضي، عزز الإقبال على الرحلات السياحية خلال الأسابيع القليلة الأخيرة داخل ليبيا. وقال عمر ردا على سؤال عن صعوبة تنظيم مذل هذا النشاط السيحي في ظل وضع أمني غير مستقر "منذ أسابيع نعمل بشكل دؤوب على تذليل كل الصعاب وقمنا بالتواصل مع كافة القرى والبلدات التي سنمر عبرها لتسهيل المرور بدون عقبات أمنية وبصورة تضمن أمن الجميع". أما بشأن انتشار فيروس كورونا المستجد، فقد أكد أنه "طلبنا تحاليل خاصة بخلو المشاركين من فيروس كورونا وتقسيمهم إلى مجموعات مصغرة ومنفصلة، لضمان التباعد الاجتماعي وسلامتهم من الإصابة". وتجاوز العدد الإجمالي للإصابات بفيروس كورونا المستجد في ليبيا عتبة ال85 ألفا فيما تخطى عدد المتعافين الـ 55 ألفا، وبلغ عدد الوفيات أكثر من 1200. - رحلة "سلام" - نظمت الرحلة تحت شعار "لمة خوت" (تجمع أخوة). وقال جمعة عمر، مسؤول نادي "الحمادة" السياحي إن "شعار الرحلة دليل ويجسد الأخوة". وأضاف "صحيح أن الرحلة سياحية من الطراز الرفيع، لكنها تجمع بين أبناء الوطن إذ يشارك فيها الجميع دون تحفظ على أحد"، مؤكدا أن "رسالتنا اليوم ومن خلال هذا الجمع الغفير، نعم للسلام ونبذ العنف والقتال". من جهته، قال عبد الحميد محمد (30 عاما) أحد المشاركين في الرحلة السياحية لوكالة فرانس برس، إنها "تجربة جديدة" يخوضها، بعدما كان يفضل المشاركة في أنشطة سياحية "خارج ليبيا". وأضاف "اكتشفت أن ليبيا لا تقل جمالا عن بلدان أخرى تشتهر بالسياحة وعرفت سبب حرص بعض الأجانب على القدوم إلى بلادنا قبل 2011، لأنها تحتوي مناظر خلابة ومواقع فريدة من نوعها، تستحق السفر إليها". من جهته، أكد جمعة عمر أن "السياحة في ليبيا لا تقل جمالا وجاذبية عن السياحة في الخارج،وكل شخص يمكنه السفر في رحلات سياحية دون حاجته لمبالغ طائلة، مع سهولة وسائل النقل وتوفرها". في الواقع، كانت ليبيا تشهد في عهد نظام العقيد الراحل معمر القذافي ومنذ رفع العقوبات الدولية في 2003 إقبالا من السياح الأجانب ونظمت رحلات سياحة رغم محدوديتها، خصوصا إلى المواقع الصحراوية والآثار التاريخية الرومانية المطلة على البحر المتوسط. - فرص عمل - تقول وزارة السياحة الليبية إن عدد الفنادق في ليبيا يتجاوز ال280، فيما يناهز عدد الغرف الكلي ال15 ألفا لا يستخدم حاليا سوى 30 بالمئة من طاقتها الا الطاقة الاستيعابية لها. وتفيد آخر إحصائية للعام 2010 أن عدد السياح الأجانب وصل حينها إلى أكثر من 110 آلاف بينما تخطت الإيرادات الأربعين مليون دولار. لكن هذا الرقم تراجع إلى الصفر بسبب تدهور الأوضاع الأمنية منذ العام 2011، بحسب أرقام حكومية. وتضم ليبيا أكثر من 1200 شركة سياحية مسجلة أغلق أو تعثر نحو خمسين بالمئة منها، بسبب الصعوبات التي تواجه هذا القطاع في البلاد. ورأى عبد الله المغربي أحد المشاركين في الرحلة وقدم من مدينة اجدابيا (شرق) إن هذا النوع من الرحلات يعكس صورة إيجابية لليبيا أمام العالم. وقال "منذ نحو عشر سنوات والعالم لا يسمع أخبارا عن البلاد سوى الحرب والفوضى وكثيرون لا يعرفون أن ليبيا بلد متنوع جغرافيا"، مؤكدا أنه "يمكن لقطاع السياحة النمو ليتحول إلى مورد داعم للدولة". وأضاف أن "تحول السياحة في ليبيا إلى صناعة حقيقة يحتاج إلى استقرار وأن يضع الجميع الخلافات جانبا"، مشددا على ضرورة "الاستفادة من فرص العمل التي ستوفر لعدد كبير من الشباب الليبي في قطاع السياحة". وفي ليبيا خمسة مواقع أثرية أدرجتها منظمة الأمم المتحدة للتربية والقافة والعلوم (يونيسكو) على لائحتها للتراث العالمي قبل أكثر من ثلاثين عاما. وثلاثة من هذه المواقع الأثرية رومانية وهي صبراتة ولبدة وقورينا إلى جانب جبال أكاكوس الصخرية ومدينة غدامس القديمة.
مشاركة :