في الوقت الذي يؤكد فيه رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي المضي في حزمة الإصلاحات الحكومية التي أطلق منها اثنين حتى الآن (إلغاء مناصب نواب الرئاسات الثلاث والحمايات والمستشارين ودمج وترشيق الوزارات) فإنه يستعد لإطلاق حزمة ثالثة منها تتعلق بالهيئات المستقلة. في الوقت نفسه، تتضارب مواقف بعض قادة الأحزاب الدينية الشيعية حيال ما يجري، سواء على صعيد المظاهرات أو الإصلاحات. فخلال الحفل التأبيني الذي أقامه التيار الصدري في بغداد أمس لمناسبة الذكرى السنوية لاغتيال المرجع الشيعي محمد محمد صادق الصدر من قبل نظام صدام حسين عام 1999، بدا وزير الخارجية ورئيس التحالف الوطني إبراهيم الجعفري، الذي اعتذر نيابة عن العبادي لعدم حضوره الحفل وأوضح أن الأخير أبلغه في ساعة متأخرة من ليل السبت عدم قدرته على الحضور، داعما الإجراءات والخطوات التي يقوم بها رئيس الوزراء، فإن كلا من زعيم المجلس الأعلى الإسلامي عمار الحكيم وزعيم منظمة بدر هادي العامري حذر من إمكانية استغلال المظاهرات في جر الاضطرابات إلى المناطق الآمنة في الوسط والجنوب. وقال الجعفري خلال حفل التأبين إن «ما يشهده البلد حاليا من ثورة إصلاح ضد ثقافة الفساد نؤيدها من أجل الإصلاح والقضاء العادل ومكافحة الفساد»، مشيرا إلى أنه «من الضروري المضي في مسيرة الإصلاح وطريق التنمية والعدالة». وأضاف «أن المظاهرات أمر شرعي وقانوني ونحن معها»، مؤكدًا أنه «لم تبق قارة أو بلد إلا وجاء منها عناصر للعراق ليقاتلوا الحرية والعدل». لكن الحكيم أثار تنظيم داعش كأخطر تهديد يواجهه العراق، وقال في كلمته إن «العراق يواجه تحديًا من نوع آخر وهو الإرهاب الذي يفتك ببلادنا»، مؤكدًا على «الحاجة إلى لحمة وتماسك بين الطبقة السياسية وأبناء الشعب». ودعا الحكيم جميع القيادات السياسية إلى «تنقية الأجواء وتوحيد الصف»، مطالبًا بـ«الحذر من التدخلات الأجنبية». وأضاف أن «هناك من يريد إرباك البلد وجره إلى الفوضى»، مشددًا بالقول: «سندافع عن البلد بأرواحنا ولا نسمح لأحد بسرقة منجزاتنا». كما دعا الحكيم إلى ما سماها إصلاحات مدروسة وجذرية لإحداث تغير ملموس في مؤسسات الدولة، وعد من «غير الصحيح» المطالبة بتعديلات واسعة في الدستور دون «مقاسات» كونه المرتكز الأساسي للدولة». وفي هذا السياق، أكد القيادي في ائتلاف المواطن التابع للمجلس الأعلى الإسلامي سامي الجيزاني في حديث لـ«الشرق الأوسط» أن «التحذير من خطر (داعش) لا يتناقض مع تأييدنا للمظاهرات المطالبة بالإصلاح، لكننا مثلما أوضح السيد عمار الحكيم نرى أن (داعش) يسعى لاستغلال الفرصة لصالحه؛ لأن ما يخدم مشروعه هو أن يكون كل العراق غير آمن، وبالتالي لا بد من أخذ الاحتياطات اللازمة»، مشيرا إلى «أهمية أن يكون القادة السياسيون على دراية بما يجري وأن تكون مواقفهم موحدة». أما هادي العامري فقد أكد من جانبه أن «الحرية» التي قال إن المتظاهرين يتمتعون بها يعود فضلها إلى ميليشيات الحشد الشعبي «دون أن نسمح بالمساس بالرموز الدينية لأنهم فخر العراق وحفظوا العراق من المحن». وقال: «إننا في خطر حقيقي وإن (داعش) للأسف الشديد فهم الموقف فهما آخر، وتصور أن وضع النظام مهتز وعلينا ألا نبعث برسالة سلبية لـ(داعش)، علينا أن نحفظ فتوى المرجعية حية وأن نمد الجبهات بالمقاتلين ونعمل على الإصلاح، وعلينا ألا نضعف وأن نحارب الفساد المالي والإداري، ويجب أن نكون شجعانا بالإصلاح ومحاربة الفاسدين أينما كانوا، واليوم نحن مطالبون أكثر بإعادة الثقة وأن نخرج المسيء». وحذر مما وصفه بـ«خطط (داعش) والإرهابيين الخبيثة الذين يردون سحب المحافظات الوسطى والجنوبية لعدم الاستقرار، وحري بأبناء العراق العمل على أن تكون كل الإصلاحات قانونية وألا تتحول للفوضى، وإنما وفق القانون والدستور، ويجب أن نحافظ على التداول السلمي للسلطة والقانون والدستور». وفيما لم يحضر رئيس الوزراء السابق نوري المالكي حفل التأبين هذا دون إبداء الأسباب، فقد أكد عضو البرلمان العراقي عن ائتلاف دولة القانون موفق الربيعي في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن «ما يهمنا هو عدم زعزعة الجبهة الداخلية؛ لأن هناك مشروعا يستهدف هذه الجبهة، ولذلك نحن نحذر من ذلك، خصوصا أن المظاهرات بدأت تأخذ جوانب معينة بين إصلاح النظام من داخله وبين إسقاطه، وهو ما يعني جرنا إلى معارك جانبية باسم الإصلاح». ودعا الربيعي رئيس الوزراء إلى «الإسراع في تنفيذ الإصلاحات بأسرع وقت لكي يسحب البساط من تحت أقدام المتربصين، كما يتوجب على الكتل السياسية ألا تظهر لرئيس الوزراء غير ما تبطن، مع الأخذ بنظر الاعتبار أن العبادي يفتقد حتى الآن الآليات الخاصة بتنفيذ هذه الإصلاحات».
مشاركة :