جمعية «كلنا نقرأ» إطلالة على المستقبل

  • 12/19/2020
  • 00:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

إذا كانت القراءة هي القاعدة التي شُيدت عليها الحضارة في البلدان الحديثة، فما أحوجنا إلى بناء هذه القاعدة في المجتمع العربي، بعد أن تماهت المسافات بيننا وبين المجتمعات الحديثة، نحن الآن في أمس الحاجة إلى مشروع واسع للقراءة في كل البلاد العربية، لكي نسد الفجوة الواسعة بيننا وبين الأمم المتقدمة، وفِي الحق فالمشاريع القرائية الكبيرة لا زالت في علم الغيب في وطننا العربي، وهي مشاريع مؤجلة إلى أجل غير مسمى، باستثناء إضاءات قليلة في بلدان قليلة لا تشبع رغبتنا في اللحاق بركب الحضارة، تلك الرغبة التي تتأجج فقط عند المثقفين وتتوقف عندهم، فيما نحن في حاجة إلى أشراك المجتمع بأكمله في القراءة، هل أقول إن القراءة هي قارب نجاتنا الأخير؟ نعم هي كذلك، بعد أن أصبحت القراءة في وطننا العربي تدعو للأسى والحسرة، فكلنا يعرف أننا في آخر قائمة أمم الأرض في القراءة، بعد أن بينت الإستبيانات الأممية أن نصيب المواطن العربي من القراءة في العام الواحد لا يتعدى بضعة صفحات.  ووسط هذه المؤشرات المحبطة يقدح الشباب في بلادنا شرارة القراءة لإشعال ضوء قليل في محيط قاتم يحتاج إلى الضوء الكاسح، جمعية (كلنا نقرأ) البحرينية مضى على وجودها عقد واحد، والأغلبية لا تعرف عنها إلا القليل رغم نشاطها الواسع، وهي لم تثر إنتباهاً تستحقه، واهتمامًا وثناءً واعتبارًا لابد منه لدفعها إلى الأمام، ولتحفيز الشباب على الحذو في هذا الاتجاه، وما كُتب عن هذه الجمعية ضئيل لا يفي الغرض في مجتمع يريد أن يتقدم، وفي اعتقادي أن ظهور جمعية للقراءة في مجتمعٍ قليل الاهتمام بالقراءة هو حدثٌ ثقافيٌ مهم ونادر، كان من الواجب أن يَلقى اهتمامًا إعلاميًا واسعًا، فهذا الحدث ليس صغيرًا في مدلوله وعلاقته بمستقبلنا الثقافي، ومفترض أن يثير انبثاق جمعية للقراءة من صلب المجتمع شهية الإعلام، وأن يبدأ حوارًا خصبًا حول القراءة انطلاقًا من هذه الشرارة التي ستشعل النار في هشيم الركود القرائي عندنا والضارب الجذور في الوطن العربي، فنحن في بداية الطريق للوصول إلى الحضارة التي تتأسس على الكتاب والقراءة، وحقيقة أحسست بتأنيب ضمير لأنني لم أعرف عن هذه الجمعية، إلا بعد مرور عشر سنين عليها، ولا أدري هل كان ذلك تقصيرًا مني أم من وسائل الإعلام، أم هو تقصيرٌ مزدوج من كلا الجهتين، وأظن، أن قطاع واسع من المجتمع لا يعرف الكثير عن أنشطة جمعية (كلنا نقرأ) التي حاولت أن تلقي حجرًا في ماء راكد.  تأسست هذه الجمعية على يد شباب من الجنسين، وفِي هذا الاندماج بين الجنسين مؤشر إيجابي، وكان ذلك في العام 2009 وتم تدشينها رسميًا في العام  (2012)، وهي جمعية منبثقة من مهرجان (تاء الشباب) السنوي الذي تقيمه وترعاه هيئة البحرين للثقافة والآثار، ومن صلب هذا المهرجان الثقافي الشبابي، انبثق هذا الكيان للقراءة والاطلاع والدخول في العصر من بوابته الرئيسية، باب القراءة ومن أجل تقدم وتطوير المجتمع ووضعه على السكة الصحيحة في قطار القراءة التي صنعت أزهى الحضارات وأغناها، فكل الحضارات المتقدمة التي عرفتها البشرية كانت حصيلة للقراءة والكتاب، الإغريق نهضوا على الكتاب، والعرب  نهضوا من كتب الإغريق وبنوا دار الحكمة في بغداد في عهد الخليفة المأمون وملؤوها بالكتب التي ترجموها من بلاد الإغريق المتقدمة، حتى أصبحت دار الحكمة أكبر مكتبة في العالم، وكانت انطلاقتهم بالقراءة، وعندما أرادت أوروبا النهوض ذهبت تقرأ كتب الإغريق والعرب، وأسسوا من هذه الكتب المتقدمة الحضارة الحديثة.  وتتعامل القراءة مع العقل، وترتقي بالعقل، فإذا استقام العقل وانتفض وبدأ يفكر بدل الطاعة والتبعية لأشخاص أو جماعات، فالتفكير هو الوجود و(أنا أفكر إذن أنا موجود) كما قال رينيه ديكارت في القرن السابع عشر، وللأسف نحن لا زلنا لا نفكر بقدر ما نتبع ونتقيد بأشخاص وأحزاب ومذاهب. وبالتفكير يرتقي الإنسان وبالقراءة يتحرر، فإذا قرأت الأمة نهضت، وإذا لم تقرأ انقرضت.  ولست مندهشًا من مبادرات شبابنا في جمعية (كلنا نقرأ)، فالشباب هم عنوان المستقبل، وبالشباب تنهض الأمم، والتفكير الجديد يبدأ مع الشباب، والأجيال الجديدة هي أقرب إلى المستقبل من الأجيال القديمة التي تراوح في الماضي، أحيي  شباب جمعية (كلنا نقرأ)، وأشد على يدهم، وأثمّن عاليًا روحهم المتوثبة للتقدم، وإجتهادهم في خلق وتدشين كيان ثقافي نشط ومنصة عالية للقراءة، وأتمنى أن تعمم هذه المبادرة، فنسمع في المستقبل عن جمعيات جديدة للقراءة، في الريف وفِي مدن مختلفة. ومن المزايا المهمة لجمعية (كلنا نقرأ) هذا التنوع في الأنشطة الثقافية التي تقيمها، من لقاءات دورية للتحاور في كتاب، إلى إقامة الندوات، إلى استضافة شخصيات تمتهن صنوف المعرفة، إلى مشاريع للأطفال لتشجيعهم على القراءة، إلى تنظيم زيارات للمدارس وغيرها من الأنشطة الفاعلة.

مشاركة :