نظم مركز الكتاب العالمي، التابع للهيئة المصرية العامة للكتاب، ندوة، في أمسية قاهرية لمناقشة رواية الكاتب صبحي موسى «الموريسكي الأخير»، الصادرة عن الدار المصرية اللبنانية. وتحدث الناقد المصري محمد السيد إسماعيل، قائلا: «أنا متابع لمشروع صبحي موسى الإبداعي منذ بدأ شاعرا فأنجز عددا من الدواوين المهمة في إطار قصيدة النثر، حتى فاجأنا بكتابته الرواية، وتأكدت خطواته فيها بنشره أكثر من عمل جاد ومهم». وأضاف: «إن مشروع (موسى) الروائي يكاد ينطوي على مشروع تاريخي واضح، تأكد من خلال روايته قبل الأخيرة (أساطير رجل الثلاثاء) التي رصد فيها واقع جماعات الإسلام السياسي ومنطلقاتهم الفكرية والثقافية الحاكمة لرؤيتهم في الحياة، وهو رصد مبكر للواقع الدامي الذي نعيشه الآن، ثم كانت روايته الأخيرة (الموريسكي الأخير) التي تعد واحدة من الروايات المهمة التي اعتمدت على تقنية تفتيت الزمن، إذ يتعدد الزمن إلى درجة التفتيت، وقد لعب (موسى) على فكرة الخطين المتوازيينـ القديم والحديثـ معًا طيلة النص، محاولاً ليس استعراض التاريخ، ولكن فهْم الواقع الذي نعيشه الآن، معرفة تكويننا الثقافي الذي يحكمنا فيجعلنا نتخذ اتجاها دون عينه، وننحاز إلى فكرة دون أخرى». وأشار الشاعر المصري عماد غزالي، إلى أن رواية «الموريسكي الأخير»، رواية مهمة بالفعل، لكنها لم تخلُ من هنّات، كأن يستخدم المؤلف في أحد المشاهد كلمة «دالت»، وهو يقصد كلمت «آلت»، وكأن يرصد في الفصل الأول مشهد هبوط طائرة «إف 16» على ميدان التحرير، مصورًا بطل العمل وهو يطل برأسه من شباك الطائرة لقائدها، أو أن قائد الطائرة يراه من خلال شاشة أمامه، وهذا خطأ علمي. وقال «الغزالي»: «الرواية بالفعل ترصد واقع الموريسكيين وكيف تشتتوا من بلادهم، وأن هذه واحدة من المآسي الإنسانية الكبرى في التاريخ، وقد بذل المؤلف جهدا كبيرا في رصد تاريخ الموريسكيين على مدار نحو خمسمئة عام، وما الذي حدث لهم خلال هذه السنين الطوال». وقال الناقد الدكتور أحمد الصغير: «أنا أنحاز لصبحي موسى كروائي أكثر من الشاعر، حتى وإن رأى آخرون العكس، فكلانا يرى وفقًا لثقافته ورؤاه، وأنا أجده تمكن من أدوات الرواية أكثر من الشعر». وأضاف: «أختلف مع ما قاله عماد غزالي، فالمشهد في الفصل الأول هو مشهد فنتازي يحتمل التأويل أكثر من هذا، ولا يمكن اعتباره مأخذًا على النص، فنحن أمام واحدة من الروايات الكبرى، استخدم فيها الكاتب أكثر من تكنيك، ورصد العديد من الوقائع التاريخية، وانشغل بخلق عالم أسطوري كبير يتلاءم مع الحدث الكبير الذي يرصده». لافتا، إلى أن له فلسفته في استخدام كل هذه التقنيات، فقد استخدم ضمير الأنا أثناء رصده للماضي، وذلك على لسان محمد بن عبدالله بن جهور، بينما استخدم ضمير الأنا وهو يرصد الواقع الراهن من خلال حكيه عن مراد بن يوسف بن حبيب الموريسكي، وهو آخر الأحفاد والموريسكيين المنحدرين من صلب عبدالله بن جهور، واخترع «موسى» معادلات فنية مهمة، كأن يجعل من روح أو شبح عبدالله بن جهور بمثابة العين الراعية للموريسكيين المنحدرين من نسله، وكأن يجعل من مراد رساما تشكيليّا مثلما كان جده محمد بن عبدالله بن جهور نحاتًا للتماثيل في طليطلة، وهي رواية لا يمكن الوقوف أمامها سريعا، إذ أنها غنية بالتفاصيل والوقائع والعوالم والشخصيات والأساليب والتقنيات، وقد بذل فيها «موسى» جهدا كبيرا في إنجازها على هذا النحو الفاتن. ومن جانبه، قال صبحي موسى: «كل عمل له أخطاؤه وهنّاته، ولا يوجد عمل مكتمل، وقد كان تفكيري يدور في أن يكون هذا الحفل بمشاركة الذين قرأوا العمل قبل نشره وبعد، كي يوضحوا لنا كيف يتطور العمل الإبداعي، وكيف يستجيب المؤلف للملاحظات أو يرفضها، لكن الأمر لم يسر كله وفقًا لما كنت أتصوره» وأضاف: «هذا العمل معنيّ بمناقشة فكر الأقليات وإشكالياتهم الثقافية، فضلاً عن أنها رواية البحث في الموقف من التراث، هذا الذي يشبه غرفة مليئة بالكرايب لا نعرف ما الذي نحتاجه منها». وقال: «من ثم، فنحن بحاجة إلى معرفة موقفنا النقدي من تراثنا، هذا الذي يتحكم في خطواتنا إلى المستقبل، والذي يحكمنا منذ جاءت الحملة الفرنسية إلى مصر، فالبعض يكلمنا عن العودة للسلف الصالح كي ننهض، والبعض يحدثنا عن الأخذ بآليات النهضة الحديثة، ولايزال هذان الاتجاهان يتصارعان، هناك أيضا أفكار مثالية كالنقاء العرقي، وبعض القبائل لاتزال تحرّم الزواج من غيرها، ما يجعلهم راغبين في خلق أساطير تحافظ على هذه القوانين، وهي أساطير معطلة للتطور الثقافي، هناك أفكار مثالية عن النقاء الديني أو الصواب الديني، وكل فترة يأتي أناس يزايدون على غيرهم بأنهم الأصوب والأكثر إيمانا، كما يفعل الداعشيون الآن، وهذا مأزق الخريطة العربية في لحظتنا الراهنة».
مشاركة :