العلاقة الإيرانية - الإسرائيلية.. تحالف سري وعداء معلن

  • 8/24/2015
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

تعيش المنطقة اليوم حالة لاتحسد عليها من وضع دولي وأقليمي بالغ الخطورة والتعقيد، وهناك مثل عربي يقول: ارى اقوالك تعجبني، اشاهد افعالك اتعجب، هذا في الواقع حال السياسات التي انتهجتها إيران في المنطقة منذ عشرات السنين، ولا سيما في اطار علاقاتها السرية مع الكيان الصهيوني، المتوازية مع الضجيج الاعلامي المفتعل، والذي لا يراد به الا التضليل وذر الرماد في عيون المراقبين ليس إلّا، ذلك أن أي متتبع للعلاقات بين الكيان الصهيوني وإيران تاريخيا، يستطيع بكل بساطة أن يلمس ازدواجية المواقف الإيرانية، وازدواجية الخطاب الاعلامي الإيراني ايضاً، والتصريحات والحرب الإعلامية بين إيران من طرف والكيان الصهيوني من طرف آخر، ليست في الواقع إلّا توزيع للأدوار، حيث أن المتطلع لتلك التصريحات يعتقد أن هناك عداء مستحكماً بين إيران وكل من الكيان الصهيوني والولايات المتحدة، وأن كل طرف من هذين الطرفين ينتظر الفرصة المناسبة للانقضاض على الآخر وتدميره والقضاء عليه نهائياً، وكأن هناك صراعا وجوديا حقيقيا بين إيران والكيان الصهيوني وحتى أمريكا، حيث تظهر بين الحين والاخر تصريحات نارية عن طهران، تدعو ليس إلى محاربة اسرائيل وحسب؛ وإنّما القضاء عليها تماما وإلغائها من الوجود، بالمقابل نستمع الى تصريحات اسرائيلية لا تقل نارية تجاه إيران، حتى بعد التوصل إلى الاتفاق النووي مع الغرب، حيث يطالب الكيان الصهيوني بالقيام بعملية عسكرية ضد طهران، باعتبار أن العقوبات الدولية غير كافية لإيقاف البرنامج النووي لإيران، بينما تسير الأمور بين الطرفين من تحت الطاولة بشكل سلس ومدبر سراً، في مسرحية باتت مكشوفة الأدوار والأهداف. ومن قرأ أو يقرأ العلاقات الاسرائيلية - الإيرانية، سيجد أن هذه العلاقات متجذرة بشكل قوي منذ عهد نظام الشاه، وحتى انقلاب الخميني وما تلاه، وأن هذه العلاقات كانت تسير كما هو مرسوم لها وبدقة، وأن أطماع إيران في المنطقة العربية لا تقل خطورة أبداً عن الأطماع الإسرائيلية، من خلال تدخلها السافر في أكثر من دولة عربية. والحقيقة أن كشف العلاقة الاستراتيجية الخفية بين إيران والكيان الصهيوني، لا تحتاج إلى كبير عناء فالتاريخ القديم والحديث يزخر بدلائل تعمق تلك العلاقة بين الفرس والصهاينة. ومما يجب التذكير به هنا، هو أن إيران من الدول التي اعترفت بالكيان الصهيوني باكرا، وبعد أقل من عامين على إنشائه، وعلى الرغم من أن حكومة محمد مصدق أيام حكم محمد رضى بلهوي شاه إيران، اتخذت قرارا بإغلاق القنصلية الإيرانية في القدس في عام 1951م، إلّا أن هذا لم يمنع من استمرار العلاقات الإيرانية الاسرائيلية بشكل متين، والتي وصلت إلى مستوى التحالف الاستراتيجي بين الطرفين ولا سيما في اواخر الخمسينيات من القرن الماضي، وهو تحالف معلن ومكشوف استمر حتى سقوط نظام الشاه في عام 1979م، أما مبررات هذا التحالف آنذاك، فهو كما هو معروف ارتباط الطرفين بمصالح استراتيجية وسياسية، حيث كان الهدف من هذا التحالف مواجهة العدويين الرئيسيين لهما وهما العرب والاتحاد السوفييتي السابق، حسب المفاهيم التي كانت سائدة في إيران آنذاك، أما تبادل المصالح بين تل ابيب وطهران فقد حددته في ذلك الوقت رغبة الكيان الصهيوني بالخروج من عزلته العالمية، عبر محاولات الصهاينة إقامة علاقات مع الدول المحيطة بالوطن العربي، بالاضافة الى رغبة إيران بتقوية نفوذها في المنطقة على حساب العرب، الأعداء التاريخيين للصهاينة، خاصة بعد الخلاف المصري الإيراني في عهد الرئيس الراحل جمال عبدالناصر، ولم تكتف إيران باقامة علاقات سياسية أو اقتصادية مع (اسرائيل) فقط في عهد الشاه، بل تعدى ذلك الى اقامة علاقات استخباراتية وعسكرية، اذا قدم الكيان الصهيوني السلاح لإيران في عهد الشاه، في حين لم تبخل إيران بتقديم النفط للكيان الصهيوني، ناهيك عن المشاريع التجارية والزراعية الكثيرة. شواهد التاريخ تؤكد استمرار التنسيق قبل ثورة الخميني.. وبعدها ويمكننا القول ان إيران في عهد الشاه كانت الحليف الاقرب والأكثر انسجاما و تعاونا مع اسرائيل في منطقة الشرق الاوسط، خاصة وأن الولايات المتحدة، كانت ترى كما الغرب ان الشاه يمثل العصا الغربية والأمريكية في هذه المنطقة. ومع أن ما سمي بالثورة الإيرانية حاولت في البداية ان تلبس قناعاً آخر يختلف عن الوجه البالي لشاه إيران، إلا أن الممارسات الفعلية لحكومات ما بعد الشاه الإيرانية، انتهجت سياسة الديماغوجيا الاعلامية، لكنها لم تبتعد عمليا عن النهج الذي انتهجه شاه إيران تجاه اسرائيل بل أوغلت أكثر عمقا، رغم الخطاب الإعلامي العلني، وبذلك يكون الفارق بين محمد رضا بهلوي وآية الله الخميني، هو أن الأول كان علنيا وصريحا في علاقاته مع الكيان الصهيوني، فيما كان الاخر مستتراً ومختبئا خلف شعارات رنانة وخطاب اعلامي مزيف، حاول استغلاله لهدفين، أولهما تصدير الثورة الى دول المنطقة، وتوسيع النفوذ الإيراني فيها، بالتنسيق السري مع الكيان الصهيوني الذي يتلاقى مع نظام الملالي بالمصالح السياسية والأمنية والعسكرية في منطقتنا، والدليل هو ما أشير اليه حول صفقات أسلحة اسرائيلية مع (الجمهورية الاسلامية) بين عامي 1979 وعام 1986 ناهيك عن التعاون الإيراني الإسرائيلي الحثيث أثناء حرب الخليج الأولى بين العراق وإيران، حيث أظهرت الوثائق التاريخية أن جسراً من الأسلحة الضخمة كانت تأتي إلى إيران من أمريكا عبر الكيان الصهيوني، وأنه كان هناك تعاون بين الأطراف الثلاثة منذ بداية الحرب العراقية - الإيرانية. وفي عام (1981)، انكشف التعاون الإيراني الإسرائيلي الحثيث في المجال العسكري، وذلك عندما تمكنت قوات الدفاع الجوي السوفيتية من إسقاط طائرة أرجنتينية، تابعة لشركة "أروريو بلنتس"، ضلت طريقها ودخلت الأجواء السوفيتية، وكانت هذه الطائرة تنقل بين طهران والكيان الصهيوني، محملة بالسلاح والعتاد، وكشفت صحيفة "التايمز" البريطانية وقتها تفاصيل دقيقة عن هذا التعاون العسكري الصهيوني الإيراني. وإذا راقبنا العلاقات الإيرانية الاسرائيلية، بشكل متروٍ، نلاحظ ان إيران تعمدت في الآونة الأخيرة تصعيد لهجتها ضد الكيان الصهيوني وإلباس خطابها خطاباً دينيا، بهدف الاتجار بالدين، واستعمال القضية الفلسطينية كرأس جسر للعبور إلى المنطقة تحت يافطة وهمية ومضللة تدغدغ مشاعر العرب والمسلمين وتضللهم، ومن ثم استغلال هذه اليافطة للدخول إلى المنطقة لكسب المؤيدين لها، تحت مسميات عدة؛ تارة تحت شعار المقاومة كما هو الحال بالنسبة لانشاء حزب الله في لبنان، أو كما هو الحال في العراق، حيث تبدو النظرة الطائفية بوضوح في اتباع إيران ومليشياتها الطائفية المسلحة الموالية لإيران، التي باتت تمسك بالكثير من المفاصل في العراق وتنفذ التصفيات ضد أي احد يتعارض مع سياسة إيران، ناهيك عن محاولات نشر فكرها الواضحة في العديد من الدول العربية وحتى الافريقية، في محاولة لمد النفوذ الإيراني إلى أكبر مساحة جغرافية في المنطقة، ولابد هنا من التوقف باهتمام أمام الدور الإيراني الواضح في دعم المتمردين الحوثيين، واستخدامهم كحصان طروادة للمساس بأمن الخليج العربي، أو تلك الخلايا التي تكشف بين حين وآخر، ويتضح الدور الإيراني فيها، ولعله من المفارقة الغريبة بالرغم كل الشعارات الطنانة التي يرددها نظام الملالي في طهران، حول عدائه لإسرائيل أو الولايات المتحدة، إلا أن جنديا إيرانيا واحدا لم يجرح في هذا العداء المصطنع، وتبادل الأدوار القائم بين اسرائيل وإيران، لذر الرماد في عيون العالم وهو مانجحت فيه مع المغفلين، والهاء العرب في صراعات جانبية تلهيهم عن صراعهم الاساسي والمصيري مع الكيان الصهيوني، ومن هنا كان الرد السعودي الحاسم والسريع على المحاولة الإيرانية المكشوفة لاختطاف السلطة في اليمن، واستخدام الحوثيين كمحلب قط لهم. ولو نظرنا بامعان الى ما يجري الان في منطقتنا ولا سيما في العراق وسوريا ولبنان والبحرين والكويت واليمن وغيرها نلاحظ ان هناك حروبا بالوكالة، استندت الى تصاعد حدة الطائفية في الاقليم، مشفوعة بطموحات سياسية، ليتحول معها التنوع السكاني الاجتماعي الى طائفية سياسية، تقوض وحدة الوطن وتمزق هويته وتهدد بقاءه. وهي في واقع الامر ليست جديدة، فجذورها الحديثة تعود إلى (الثورة الإيرانية) عام 1979م، وما يرتبط بها من مبدأ تصدير الثورة للخارج وهو معلن من خلال جماعات وميليشيات وحكومات في لبنان، والعراق وسوريا والبحرين بالاضافة الى محاولتها الابرز في اليمن حيث تم إسقاط الشرعية الوطنية اليمنية من قبل الميليشات الحوثية المدعومة من قبل إيران. وهكذا أمام كل هذه الوقائع يبدو من المهم جدا التذكير بخطورة ما يرسم للمنطقة في طهران وتل أبيب وغيرهما من عواصم الغرب التي تريد تفتيت مقدرات الأمة العربية وتشتيت قواها لإبقائها عاجزة عن دور التاثير مستسلمة لارادة التوسع الإيراني والصهيوني، الأمر الذي يوجب على كل المخلصين والوطنيين العرب والمسلمين ان يقرعوا نواقيص الخطر للتنبيه مما يحاك للمنطقة، ولا سيما على الصعيد الاعلامي، قبل أن يفوت الأوان وتمتليء عيوننا بالدموع.

مشاركة :