كثيرون ينخدعون بالتهديدات المتبادلة بين نظام الملالي وإسرائيل، فيما يؤكد الواقع أن التهديدات الإيرانية ليست إلا لدغدغة العواطف العربية وسلعة دعائية للترويج لمشروع الهلال الشيعي الذي أفصحت عنه طهران علانية بالقول بعد سقوط صنعاء في يد الحوثيين «ها هي العاصمة العربية الرابعة تسقط في أيدينا». ولعل ما قاله علي يونسي - مستشار الرئيس الإيراني- حسن روحاني: «إن إيران اليوم أصبحت إمبراطورية كما كانت عبر التاريخ وعاصمتها بغداد حاليًا، وهي مركز حضارتنا وثقافتنا وهويتنا اليوم كما في الماضي» يؤكد هذا القول، وهي أيضًا إشارة واضحة من مسؤول في نظام الملالي تعني السعي لتحقيق الحلم الفارسي بإعادة الإمبراطورية الفارسية، فيما تتخذ إسرائيل من الملف النووي الإيراني ذريعة للحصول على المزيد من الدعم العسكري من الولايات المتحدة وترسيخ وجودها الاستعماري التوسعي في المنطقة. هذه المعادلة تشرح بشكل كافٍ الإطار الحقيقي لهذه العلاقات التي تهدف في حقيقة أمرها إلى تقاسم النفوذ والسلطة في المنطقة بين طهران وتل أبيب بدءًا من زرع بذور الفتنة والانقسام والطائفية في أرجاء العالم العربي، واستخدام جماعات التطرف الإرهابي أداة رئيسة في تحقيق هذا الهدف، وهو ما تؤكده الشواهد عندما نرى أن تلك الجماعات شنت هجماتها الإرهابية على غالبية دول العالم - وخاصة الدول العربية والإسلامية - فيما لم توجه عملية إرهابية واحدة حتى الآن ضد إيران أو إسرائيل. القراءة الآتية هي محاولة لإثبات هذا الطرح من واقع البراهين والأدلة التاريخية. إن عدنا إلى التاريخ في تتبعنا لمسار العلاقات الإيرانية - الإسرائيلية (اليهودية) سنجد أن تلك العلاقات ترسخت منذ القدم بسماح كورش ملك فارس عام 537 ق.م بعودة اليهود إلى فلسطين وإعادة بناء (الهيكل الثاني) -هيكل زربابل- الذي دمره نبوخذنصر. وقد انتصر الاسكندر الأكبرعلى الملك الأخميني الفارسي «دارا الثالث» في معركة أربيلو شرق مدينة الموصل عام 321 ق.م، ثم اتجه شرقًا واحتل شوشة (الشوش) عاصمة الأخمينين الفرس، منهيًا بذلك عصر الإمبراطورية الأخمينية في هضبة إيران. قواسم مشتركة ينبغي الأخذ في الاعتبار القواسم المشتركة التي تجمع بين إيران وإسرائيل في إطار العلاقات التي تجمع بينهما في أطوارها المختلفة والتي يأتي على رأسها العنصرية والعدوانية والنزعة التوسعية وكراهية العرب التي تأصلت في نفوسهم منذ هزيمتهم على يد العرب في معركة ذي قار زمن الجاهلية. وسوف نلاحظ دائمًا أن الأنظمة العنصرية تبدي تعاطفًا مع بعضها البعض، وهو ما أمكن ملاحظته في العلاقات الوطيدة التي كانت تجمع بين النازية في ألمانيا والفاشية في إيطاليا، وبين إسرائيل ونظام بريتوريا العنصري. وقد ظل الفرس، حتى بعد الفتح الإسلامي لبلادهم ودخولهم الإسلام، تحدوهم النعرة العنصرية التي يسميها الأستاذ سعيد نفيسي «الشعوبية»، والتي يعرفها بأنها «نزعة كسروية الأصل تعادي العرب وتعمل على الحط من دورهم» -وهو ما يتمثل بأشعار بشار بن برد وأبي نواس وغيرهما- ويستطرد الباحث بالقول: إن تلك العنصرية اتخذت عدة ألوان، فمنها السياسي وغايتها انتزاع الحكم من العرب، ومنها الاجتماعي وغايتها إدخال العادات الفارسية في العادات والمأكل والملبس والعمران والتنظيم الاجتماعي، ومنها الديني الذي غلب عليه اسم الزندقة وغايتها الدعوة إلى العقائد الفارسية كالمجوسية والمزدكية والمانوية، ومنها الأدبي ويتمثل في الصراع العربي - الفارسي من خلال مدرستي الكوفة بزعامة الكسائي والبصرة بزعامة سيبويه. من الصعب تبين أي اختلاف طرأ على شكل وجوهر العلاقات الإسرائيلية - الإيرانية منذ قيام دولة العدو الصهيوني حتى الآن، ويمكننا تتبع مسار هذه العلاقات منذ بدأ الاعتراف الإيراني بدولة إسرائيل في 18/3/1950 حتى عام 1970، من خلال استعراضنا لأهم ما أورده الأستاذ شحادة الموسى تحت باب (إيران) في كتابه «علاقات إسرائيل مع دول العالم – سلسلة كتب فلسطينية -33- م.ت.ف/ مركز الأبحاث – بيروت)، وسوف لا نجد أي صعوبة، بعد ذلك في تتبع مسار هذه العلاقة الوطيدة، وتطورها. لنجد في نهاية المطاف أن الصفات المشتركة بين الصهاينة والفرس حددت طريقًا واحدًا اتبعه الطرفان بهدف السيطرة على أجزاء من الوطن العربي. العلاقات خلال حكم الشاه على الرغم من أن العلاقات الإيرانية - الإسرائيلية تراجعت في أواسط الخمسينيات، إلى مستوى أقل عن التمثيل الدبلوماسي الكامل، بسبب حركة مصدق، إلا أن أعضاء البعثة الإسرائيلية في إيران ظلوا يتمتعون بكافة الامتيازات الدبلوماسية. وقد بدأت إيران في تصدير بترولها لإسرائيل منذ عام 1957، وبعد إنشاء خط أنابيب إيلات- حيفا(1960) ازدادت الصادرات من النفط الإيراني لإسرائيل حتى وصلت عام 1967 إلى 5.5 مليون طن في العام، وحققت إسرائيل في عام 1966 16.5 مليون دولار من تصدير نفطها لإسرائيل، كما وفرت من فرق السعر بين استيرادها النفط من فنزويلا (قبل عام 1957) وإيران ، مبلغ 22.1 مليون دولار في العام الواحد. وفي المجالين التجاري والزراعي، تضاعفت التجارة المتبادلة بين إيران وإسرائيل 12 ضعفًا في الفترة 1958- 1963. وفي العام 1964 وصل إلى إيران خمسون خبيرًا إسرائيليًا للقيام بأعمال الكشف والمسح المائي على السواحل، والقيام بعدة مشروعات كإنتاج المواد الكيماوية وإنشاء مصنع لإنتاج الجرارات والأدوية الزراعية. وقد قدم فريق من الإسرائيليين المساعدات لإصلاح وتسوية منطقة (خاسفين) في إيران بعد أن فشل الألمان والإيطاليون واليابانيون في عمل ذلك. وكتبت صحيفة هآرتس في شهر مايو 1966 بأن في إيران عشرات الخبراء الذين يقيمون مع عائلاتهم ويعملون في تطوير الزراعة ومصادر المياه، وشق الطرق، والبناء. أما في المجال العسكري، فقد ذكرالكاتب استنادًا إلى صحيفة: «الأهرام القاهرية» في عددها الصادر في 18/10/1968 نقلًا عن بعض الدوائر الرسمية المصرية انها تلقت معلومات تفيد بأن مجموعة من الطيارين الإسرائيليين قد وصلت إلى إيران لكي تحضر تدريبًا تقوم به بعثة أمريكية خاصة على طائرات الفانتوم التي كانت الولايات المتحدة تتفاوض لتقديم 50 منها لإسرائيل. ونقلت صحيفة يدعوت أحرونوت في عددها الصادر في 9/5/1969 عن «الديلي إكسبريس»اللندنية أن سلاح البحرية الإيراني الذي يملك سفنًا حربية بريطانية يبدي اهتمامه بتجهيزها بصواريخ بحر-بحر من نوع جبرائيل الإسرائيلي. كذلك اتضح أن إسرائيل زودت إيران بكميات كبيرة من رشاشات «عوزي» المصنعة في إسرائيل. وقد شوهدت تلك الرشاشات في حوزة القوات الإيرانية على الحدود العراقية في منطقة شط العرب إبان الأزمة حول مياه شط العرب بين العراق وإيران عام 1969. واحتلت إسرائيل المركز العاشر بين الدول التي تصدر إليها إسرائيل، والمركز الثالث من بين الدول الآسيوية التي تشتري بضائع إسرائيلية، حيث وصلت نسبة الصادرات الإسرائيلية إليها في تلك الفترة إلى 20% من مجموع الصادرات الإسرائيلية للقارة الآسيوية. وعلى الصعيد السياحي احتلت شركة طيران العال الإسرائيلية من أنشط شركات الطيران في طهران، حيث كانت تقوم برحلتين في الأسبوع بين البلدين. وزار عدد من الشخصيات الإسرائيلية المهمة إيران خلال تلك الفترة، منهم دافيد بن جوريون، وليفي أشكول، وزالمان شازار، وإسحق رابين. ويعتبر الدور الذي تقوم به الجالية اليهودية في إيران التي تسيطر على تجارة السجاد مكملًا للعلاقات الإيرانية الإسرائيلية. ويذكر الكاتب أن عبدان اعتبرت في ذلك الوقت مركزًا للتجسس الإسرائيلي على منطقة الخليج والعراق. وفي العام 1964 تخرج 100 يهودي إيراني من معهد خاص في الولايات المتحدة وأرسلوا بعد عودتهم إلى بعض البلدان العربية للعمل كتجار وهم يحملون جوازات سفر إيرانية. كما ينبغي التذكير بدور الإشراف الذي كان يلعبه جهاز «الموساد» الإسرائيلي على جهاز «السافاك»الإيراني، وتدريب أفراده، وعلى الدور الذي كانت تلعبه الطائفة البهائية ذات النفوذ المتغلغل في إيران - حتى الوقت الحالي- والتي يوجد مركزها في حيفا، والدور الذي ظلت تلعبه في العمل على تنمية هذه العلاقات لصالح إسرائيل. وقد ازدادت العلاقات الإيرانية-الإسرائيلية نموًا بعد حرب يونيو 1967- على غير المفترض - التي قامت إيران خلالها بتأمين احتياجات إسرائيل من النفط، وظلت طهران تؤكد في الكثير من المناسبات على حق إسرائيل في الوجود. وكانت مجلة الحوادث اللبنانية قد ذكرت في عددها الصادر في 3/5/1968 نقلًا عن صحيفة «مردم» الإيرانية بأنه رغم مشاعر التعاطف التي يبديها الشعب الإيراني تجاه الشعب الفلسطيني ونحو قضيته العادلة، إلا أن الموقف الإيراني الرسمي لا يتعدى البيانات والخطب. في الحلقة الثانية نتتبع سير العلاقات الإيرانية - الإسرائيلية في فترة حكم الملالي.
مشاركة :