ونستون تشرشل هو أحد أشهر السياسيين في بريطانيا. خدم في الجيش البريطاني قبل أن يكون رئيسا للوزراء عام 1940، حشد الشعب البريطاني خلال الحرب العالمية الثانية، وحول بلده من حافة الهزيمة إلى النصر. حصل على جائزة نوبل في الأدب، أحبه شعبه حتى النخاع لإنجازاته الوطنية. يقول تشرشل في مذكراته كنت يوماً في سيارة الأُجرة متجها الى مكتب الـ BBC لإجراء مقابلة وعندما وصلت طلبت من السائق أن ينتظرني أربعين دقيقة لإتمام المقابلة، لكن السائق اعتذر وقال لا أستطيع حيث علي الذهاب إلى البيت في الحال لكي أستمع الى خطاب مهم سيلقيه ونستون تشرشل. يقول تشرشل لقد ذهلت وفرحت مما قاله هذا الرجل وشوقه لسماع حديثي، فأخرجت عشرة جنيهات وأعطيتها له من دون أن أفصح له عمن أكون، ولكن عندما رأى المبلغ فاجأني بالقول سأنتظرك ساعات حتى تعود يا سيدي وليذهب تشرشل إلى الجحيم. يقول تشرشل عندها تيقنت أن من يعشقني كسياسي وكرئيس وزراء ممكن أن يتغير ويكن لي العداء مقابل بعض من الجنيهات. فمهما تكن عادلاً ومنصفاً في حكمك وقراراتك فليس هناك ضمان بأن يبقى محبوك معك حتى وإن كنت نابليون عصرك. المبادئ والثوابت والإيمان والعقيدة تتغير لأجل المال فيباع الأوطان والشرف والضمير والأخوة والانفس وحتى الآخرة لأجل المال. فلا عجب في هذا العصر أن نسمع عن شخص يقتل أباه أو أخاه ليكون هو الوارث الوحيد، ولم يكن مستغرباً أن يستغل وزير أو مدير أو حتى رئيس منتخب منصبه ويتخلى عن مبادئه ووطنيته لينهب ملايين الدولارات من المال العام ضارباً بعرض الحائط كل القيم والمبادئ. أحزاب سياسية تتحول من اليمين إلى اليسار والعكس بسبب المال أو مناصب إدارية، رجال أفنوا حياتهم دفاعا عن مبادئهم ووطنيتهم يغيرون جلدهم كالثعبان حباً في كثرة المال والوجاهة. زوج يهجر عائلته ليتزوج بفتاة صغيرة بعد أن ورث ثروة هائلة من أبيه. يقول أحد الساسة العرب الذي قضى نصف حياته معارضا لنظام بلده وبعد أن عين وزيراً للسياحة «خسرت نصف عمري في خزعبلات السياسة».دكتور رجب عبد الكريم استشاري الطب النفسي يعطي تفسيرا معقولاً لتأثير المال على عقل وتفكير الفرد. فيقول إن «حصول الثروة المفاجئة للشخص يعده علماء النفس المعاصرون عاملاً سلبياً لدى البعض ... فالثروة قد تؤدي إلى حدوث شرخ مفاجئ في عملية التوازن الدماغي لمادتي السيروتينين والدوبامين بشكل خاص». فدماغ الفرد قد لا يستطيع تحمل الثروة الهائلة من شدة الفرح فيصاب باضطرابات نفسية وسلوكية فتتغير أنماط شخصيته ليتحول من مسالم ومحب لمن حوله إلى شخصية متكبرة عدائية حاقدة على المجتمع، ينظر إلى غيره من البشر بفوقية مقيتة بغيضة وكلما كثرت ثروته زاد بغضه وحقده على الناس. لا شك أن المال ضرورة وشيء مهم وأساسي في حياتنا، به نبني حياة كريمة ومستقبلا أفضل وهو وسيلة للسعادة والاستقرار وغيابه يعني الفقر والمذلة، لكنه إذا أصبح هوسا يتحول إلى نقمة ومرض يدمر الإنسان ويعزله عن المجتمع ويحوله إلى آفة قاتلة للقيم والمبادئ. وكما يقول الكاتب الفرنسي ألكسندر دوما: «المال خادم جيد، لكنه سيد فاسد». يبدو أن المال سيبقى سنوات طوال سيد القوم يغير المعادلات والقوانين والرجال ويدير عالما بلا قيم.
مشاركة :