بعد أن أصبح جو بايدن الرئيس المنتخب ومغادرة دونالد ترامب قريباً للبيت الأبيض، عكف المحللون على تكهنات بلا نهاية عما يعنيه هذا التغير في الإدارة لمستقبل الاتفاق النووي بين الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي بالإضافة إلى ألمانيا مع إيران. إنني أدرك جيداً الصعوبات التي تكتنف محاولة عودة أميركية سلسة إلى الاتفاق، والتعقيدات الإضافية بسبب الإجراءات التي اتخذها ترامب والحكومة الإسرائيلية التي عززت قوة المتشددين الإيرانيين. لذا لا أريد إضافة المزيد من التكهنات والتعليقات بشأن ما يجب على بايدن القيام به، بل أعتقد أنه قد يكون من المفيد أن أضيف إلى المناقشة بشأن الاتفاق النووي السابق والمستقبلي المحتمل، حصيلة الرأي العام العربي والإيراني لاستطلاعات الرأي الموسعة على امتداد الشرق الأوسط. وبمطالعة البيانات الخاصة باستطلاعات الرأي السابقة على الاتفاق النووي، لاحظت أنه رغم اقتناع العرب بأن إيران تواصل تطوير برنامج نووي بهدف إنتاج أسلحة نووية، إلا أنهم أكثر قلقاً من تدخلات طهران عبر المنطقة. والواقع أن تورط إيران أولاً في لبنان، ثم في العراق، وأخيراً في سوريا، هو ما تسبب في أكبر قلق للرأي العام العربي. ولاحظت أن معدلات التأييد لإيران وسط العرب في معظم الدول انخفضت من 80% تقريباً عام 2006 إلى أقل من 30% عام 2012، ثم إلى أقل من 20% في أحدث استطلاعاتنا للرأي. ولاحظت أن دور إيران في سوريا كان «مسماراً في نعش مكانة إيران في الرأي العام العربي». فحين أُعلن الاتفاق النووي عام 2015، كانت غالبية الدول العربية تعارضه. لكن في سنوات التدخل، زاد الدعم للاتفاق مع تزايد الثقة بأنه قد يقيد قدرة إيران على تطوير قنبلة نووية. وبحلول عام 2018، أيدت أغلبيات في هذه الدول نفسها الاتفاق. لكن مع تصاعد المخاوف من تحركات إيران الإقليمية، أيدت أغلبيات قوية في كل بلد عربي، بما في ذلك لبنان والعراق، انسحاب ترامب من الاتفاق، معبرين عن أملهم في التوصل إلى اتفاق جديد يعالج دور إيران في الصراعات الإقليمية. وفي إيران، شهد الرأي العام تحولاً كبيراً ففي عام 2015 كان 80% من الإيرانيين يؤيدون الاتفاق. وبعد الانسحاب الأميركي، انخفض التأييد إلى 60%. وفي عام 2014، عبرت أغلبيات كبيرة من الإيرانيين- بين 90% و60%- عن دعمهم لتورط حكومتهم في العراق وسوريا ولبنان واليمن. لكن في عام 2015، بعد إعلان الاتفاق، بدأت هذه النسبة تنخفض وبحلول عام 2016، انخفض الدعم لهذه التدخلات الأجنبية، أقل من 50% في العراق وسوريا ولبنان، وإلى 20% فقط في اليمن. وبحلول عام 2017، وبعد انسحاب الولايات المتحدة وفرض عقوبات جديدة على إيران، ارتفع تأييد الجمهور الإيراني لهذه التدخلات الخارجية إلى أكثر من 60%. فالإيرانيون يؤيدون فيما يبدو حكومتهم حين تتعرض لتهديد. وبقراءة هذا المسح للرأي العام العربي والإيراني، فربما تكون إدارة بايدن تسلك المسار الصحيح. فالإدارة تبتغي التواصل مع إيران وليس الصراع معها. وتسعى الإدارة إلى إعادة الاتفاق النووي، لكن مع إضافة عنصر معالجة تورط إيران في الصراعات الإقليمية. ومثل هذا النهج، قد يكون من الصعب تحقيقه لعدة أسباب. فقد أصبح الرأي العام الإيراني أكثر تشدداً. والعقويات الجديدة التي فرضتها إدارة ترامب أضرت بالشعب الإيراني والانتخابات قادمة في يونيو 2021، ومتشددو البلاد في صعود. والتوجهات نحو إيران أصبحت أكثر حدة في الولايات المتحدة أيضاً، خاصة وسط «الجمهوريين». وأي تحرك لتخفيف العقوبات أو العودة إلى الاتفاق النووي قد يواجه معارضة قوية في الكونجرس. والرأي العام نحو إيران تشدد أيضاً وسط العرب في ظل دور إيران العدواني المستمر في المنطقة. لكن رغم كل هذا، يظل التواصل نهجاً أفضل. ومساعي التفاوض لإعادة الاتفاق النووي مع معالجة تدخلات إيران الإقليمية قد يفتح الباب لتغيير الرأي العام في إيران والعالم العربي. وهذا ليس يسيراً، لكن أي شيء أفضل من المسار الحالي الذي يؤدي إلى طريق مسدود من صراع واسع ليس فيه فائز. *رئيس المعهد العربي الأميركي- واشنطن
مشاركة :