من المتوقع أن يواجه الرئيس الأميركي المُنتخَب جو بايدن صعوبة في تجديد التحالفات الأميركية في شمال شرق آسيا في حين تشهد العلاقات بين اليابان وكوريا الجنوبية تدهوراً متزايداً على خلفية مسائل تاريخية راسخة، فقد فضّل الرئيس دونالد ترامب عدم التدخل مباشرةً في هذا الخلاف، لكن يبدو أن بايدن يريد مساعدة الدولتَين الحليفتَين للولايات المتحدة في تحسين علاقتهما، ولتحقيق هذا الهدف يجب أن تتجنب إدارته التدابير الإصلاحية السابقة التي كانت تقضي بإعطاء الأولوية لمصالح الدول بدل مراعاة مخاوف الضحايا. بدأ الخلاف الأخير في 2018، حين أصدرت المحكمة العليا في سيئول حُكماً يفرض على شركتَين يابانيتَين التعويض على الكوريين الجنوبيين الذين أُجبروا على العمل بالسخرة خلال الحقبة الاستعمارية في شبه الجزيرة الكورية، وأجّجت هذه الحادثة حرباً تجارية بين البلدين، فقد ثارت حفيظة سيئول، فهددت بالانسحاب من «اتفاقية الأمن العام للمعلومات العسكرية» (ميثاق ثنائي لتقاسم المعلومات الاستخبارية حول كوريا الشمالية). قد تفسّر الخلافات المرتبطة بأعمال السخرة السبب الذي جعل اليابان تدعم المرشح النيجيري لتولي منصب مدير عام منظمة التجارة العالمية المقبل بدل تأييد وزيرة التجارة الكورية المدعومة من الولايات المتحدة يو ميونغ هي، حيث تثبت هذه التطورات أن العداوات التاريخية العالقة قد تُضعِف التعاون الثلاثي في مجالَي التجارة والأمن. يدرس البلدان خططاً لإطلاق برنامج تعويضات مشترك لحل مسألة أعمال السخرة، لكن أصوات الضحايا تغيب مجدداً عن هذه الخطط ومن المستبعد أن يرحّب الرأي العام بالاتفاق النهائي، وقد يستفيد رئيس كوريا الجنوبية مون جاي إن من الاستياء الشعبي لتأجيج المشاعر القومية المعادية لليابان وترسيخ شرعيته محلياً، ومن المتوقع أن تغرق اليابان وكوريا الجنوبية مجدداً في دوامة انعدام الثقة. ستترافق المقاربات المبنية على مصالح الدول مع نتائج عكسية، مما يؤدي إلى تفاقم العدائية والمشاكل القائمة، ولترسيخ مصالحة حقيقية، يجب أن يُركّز القادة على الضحايا في المقام الأول وأن تُعطى الأولوية للعدالة التعويضية بدل المكاسب الاستراتيجية، ومن الأسهل بلوغ هذا الاتفاق حين تواجه اليابان وكوريا الجنوبية مشاكلهما التاريخية بشكلٍ مباشر، لكن يبقى القول أسهل من الفعل طبعاً لأن الحكومتَين تميلان إلى تسييس الخلاف، ومع ذلك، قد تقدم الوساطة الأميركية حلاً للمشكلة. أولاً، يجب أن تؤدي واشنطن دور الوساطة لإقرار اتفاق جديد يضمن المصالحة بين طوكيو وسيئول، تبرز الحاجة هذه المرة إلى التشاور مع عمّال السخرة، حيث تستطيع الولايات المتحدة أن تساعد الحكومتَين في إنشاء جماعات حوارية تشمل الضحايا والمسؤولين والمفكرين وممثلين عن المجتمع المدني والشركات لمناقشة العوائق المستمرة والتفاهم حول النقاط الشائكة، وتضمن هذه العملية شفافية التفاوض وتأخذ آراء الجهات المعنية بالاعتبار. ثانياً، يقترح البعض أن تؤدي الولايات المتحدة دور الطرف الثالث الحيادي لضمان التزام الفريقَين بالاتفاق، ويجب أن تكون إدارة بايدن والإدارات الأميركية المستقبلية مستعدة لرفع الصوت ضد أي انتهاكات محتملة وتفرض ضغوطاً دبلوماسية أو اقتصادية إذا امتنع أحد الطرفين عن تنفيذ البنود المطلوبة منه في الاتفاق، فهذا الوضع كفيل بزيادة كلفة وقف التعاون أو التراجع عن المسائل المتفق عليها. ثالثاً، يجب أن تضع إدارة بايدن هذا الخلاف في خانة حقوق الإنسان كي تحصد الدعم من الحزبَين الجمهوري والديمقراطي، ففي عام 2007، مرّر مجلس النواب الأميركي قراراً يطلب من الحكومة اليابانية أن تعتذر وتعترف رسمياً بمسؤوليتها التاريخية عن العبودية الجنسية في الحقبة الاستعمارية، فقد دعم أعضاء الكونغرس ذلك القرار لأنه يعكس جوهر القيم الأميركية، كما يتماشى هذا التوجه أيضاً مع إصرار بايدن على نشر ثقافة حقوق الإنسان عالمياً. أخيراً، يجب أن يقنع بايدن حليفَيه بأن الحل المبني على مصلحة الضحايا هو استثمار طويل الأمد في أي تحالف ثلاثي قوي كونه يسمح بمواجهة التحديات الإقليمية الكبرى، وستكون الجهود الدبلوماسية الشخصية أساسية لإقناع القادة في اليابان وكوريا الجنوبية بالامتثال. كانت التدخلات الأميركية السابقة لا مبالية وقد استخفت باحتمال فشل المشاريع الثلاثية بين الولايات المتحدة واليابان وكوريا الجنوبية بسبب الامتناع عن التواصل مع الضحايا، ويجب ألا يتكرر الخطأ نفسه في جهود الوساطة الأميركية مستقبلاً، ولن تنجح محاولات المصالحة ما لم تُؤخَذ آراء الضحايا بالاعتبار. *شوان دونغ فان
مشاركة :