جوائز أدب الطفل العربية.. وإشكاليّة الأصل والفرع

  • 8/25/2015
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

< تَبْقى الجوائز الأدبية ـ شئنا أم أبينا ـ مرآة عاكسة لمن هو أفضل إبداعيّاَ، حتَّى لو وُجد من يطعن في أحقيّة بعض الفائزين بها، أو ذهب آخر للتَّشكيك في ذمّة لجنة التحكيم لدرجة الإدعاء أن هناك صلة تجمع بين بعض من أعضائها وبين أحد الفائزين، وينطبق هذا على سائر الجوائز، بما فيها تلك المختصة بأدب الأطفال والمراهقين، وهو ما سنركّز عليه في هذه المقالة. من الجلّي للجميع، أن فئة الأطفال والشباب في دولنا العربية تعاني من شحِّ شديد في المنتج ـ الكتاب ـ كمًّا ونوعًا، وهذا بشكل عام، غير أن فئة الأطفال تحت سن التاسعة تجد ما يغنيها من الكُتب التي تتكدّس في المكتبات العربية بشكل ملحوظ، وسواء أكانت هذه الفئة تجد في المنتج الموجود ما يلبّي حاجتها أم لا، إلا أن توفّر تلك الكتب في حد ذاته يعدّ أمرا مهمّا، بينما فئة المراهقين وكذلك فئة الشباب، لا تجدان كُتبا خاصة بهما تلبّي الحاجة المتزايدة للمعرفة بالقدر المطلوب. لقد تنبّهت المؤسسات الثقافية العربية ـ كما هي الحال في الإمارات مثلا ـ إلى النقص الملحوظ في مجال الكتابة للمرهقين والشباب، فسعت إلى تشجيع الكتاب بالجوائز ـ منها على سبيل المثال جائزة الشيخ زايد للكتاب، فرع أدب الأطفال، وجائزة اتصالات لكتاب الطفل، وجائزة الشارقة لكتاب الطفل... الخ ـ تحت مسمّى الأعمال الموجّهة للأطفال، وبالطبع تقصد هنا الأطفال والمراهقين وبعض الشباب، مما سيتسبب في واحد من إثنين، إما نشر كتاب موجّه لكل هؤلاء، وهذا بالطبع أمر شبه مستحيل، وإما نشر كتاب يهتم بفئة على حساب أخرى، وهذا ما يحدث عادة، وغالبا ما تهمل فئة المراهقين والشباب. نثر وتراث.. وشعر ما لفت انتباهي إلى كل هذا، هو أن الكتاب الفائز بالجائزة كل عام مختلف في أسلوبه عن الكتاب الذي سبقه بالفوز وعن ذالك الذي يأتي بعده، وللوهلة الأولى يبدو الأمر جيّدا، خاصة وأن الفرصة هنا متاحة لجميع الكتّاب، غير أننا إذا أمعنا النظر سنجد الأمر مختلفا عن ذلك تماما. فلو أخذنا جائزة الشيخ زايد للكتاب ـ فرع أدب الطفل، على سبيل المثال لا الحصرـ منذ تأسيسها إلى الآن (أبريل 2015)، وهي: سلسلة كتب شملت كتاب «رحلة على الورق» ـ عبارة عن سلسلة علمية ـ للدكتور محمد على أحمد من مصر، وكتاب «رحلة الطيور إلى جبل قاف» ــ اقتباس من قصة تراثية وإعادة صياغتها ـ للمؤلفة هدى الشوا من الكويت، وكتاب «سوار الذهب» ـ عبارة عن قصة مصورة مرسومة على الطريقة اليابانية ـ للمؤلف قيس صدقى من الإمارات، وكتاب «البيت والنخلة» للدكتورة عفاف طبالة من مصر، وكتاب «الفتى الذى أبصر لون الهواء» للمؤلف عبده وازن من لبنان، وكتاب «ثلاثون قصيدة للأطفال» للشاعر جودت فخر الدين من لبنان. بالإمكان أن نلاحظ أن جميع الكتب السابقة الذكر تشترك في أنها كتب موجهة للأطفال، لكنها مختلفة في جنسها الأدبي، حيث نجد الرواية، والقصة المصورة، والشعر، والتراث، والحقائق العلمية، وهذا يشير إلى أن الجائزة تبحث عن أساليب جديدة في الكتابة والإبداع، لا في المواضيع، لذلك لن نستغرب إذا فاز في السنوات المقبلة كتاب خيال علمي، لأن هذا هو النوع الوحيد الذي ينقص المجموعة الفائزة. إبداع « الدّخلاء» قد يتساءل البعض هنا: ما العيب في كون كل كتاب فائز هو من نوع أدبي مختلف؟.. المشكلة لا تكمن في اختلاف الأنواع والأساليب، ولكنها قائمة في المعايير المناسبة لتحديد الفائز بالجائزة، ذلك لأنها تحمل في الوقت الراهن ظلما كبيرا لأفكار ومواضيع الكتب، فطريقة الاختيار التي يفترض أنها الأساس أصبحت أمرا ثانويا يمكن التغاضي عنه، هذا أولا، وثانيا: الجائزة بهذا الشكل تأتي بأثر عكسي، فبدل من الحد من مشابهة الكتب لبعضها والقضاء على النظرة النمطيّة التي ستطغى على الكتاب الفائز وتجعل جميع الكتب التي تترشح للجائزة على هذا المنوال، فإنها تدفع المؤلفين إلى تغيير طرقهم وأساليبهم بتقليد من يستخدمون تلك الأساليب، والأكثر من هذا قد يندفعون نحو الأدب الغربي فيقتبسون منه أسلوبا جديدا لم يسبق لأحد من الكتاب العرب إن استخدمه. هكذا إذَا، يصبح الكٌتّاب العرب ـ سعيا للحصول على الجائزة ــ دخلاء على أسلوب الإبداع لدى الآخر الغربي، وبالتالي لن يتحقق هدف الجائزة، ويعود عليها بعكس ما تبغي إليه سبيلا، ونتيجة لذلك ستبقى الصورة النمطية التي نسعى لتغييرها، بل أنها ستتشكل تحت عنوان جديد، هو «يجب أن نأتي بأسلوب جديد». إننا نتفهّم وجهة نظر القائمين على الجائزة ورغبتهم في احداث فرق في كتاب الطفل، ولكن لدينا بعض الظن من أن الخطأ الأساس ـ سواء في جائزة الشيخ زيد للكتاب أو في غيرها ـ هو وقوع لبسٍ في تحديد الأصل والفرع، وتحديد الفرق بينهما، إذ أن المشرفين عن تلك الجوائزـ وربما يكون هذا دون قصد منهم ـ جعلوا أدب الطفل هو الأصل، والأساليب والأنواع هي الفرع، وهو ما لا يمكننا الجزم بفاعليته، لكن ماذا عن الجوائز الخاصة بأدب الطفل في العالم الغربي؟. جائزة «بوليتزر» الطريقة المستخدمة في الجوائز الأجنبية ـ والتي غالبا ما تعود على الأدب بنتائج أفضل ــ تستخدم تقنية مختلفة، ولنأخذ على سبيل المثال جائزة Pulitzerللأدب والصحافة، فإننا نجدها تعكس الأصل والفرع، حيث تجعل من الأساليب والأنواع الأصل، وما يصدر من كل أصل قد يكون مناسبا إما للأطفال أو المراهقين أو حتى البالغين، وعلى سبيل المثال تشتمل الجائزة على فروع عديدة، منها: الخيال العلمي، والمغامرة، والجريمة، والخيال، والكتاب العلمي، وغيرها من الأنواع، والحاصل في كل فرع على الجائزة يتفرغ بعد ذلك للكتابة للأطفال أو المراهقين أو غيرهما من الفئات الأخرى. المثير للإعجاب أن هذا التقسيم لا تقوم به الجائزة، وإنما تتركه للقراء والنقّاد، مما يكسر الحواجز التي قد تمنع البعض من قراءة الأعمال المنشورة. وكما ذكرت في البداية، فإن ربط مراحل الطفولة والمراهقة بالشكل الذي يجعل الكتاب يهمل احداهما مشكلة تواجهها الكتب لدينا، ولكن اتباع الطريقة التي تسير عليها الجوائز الأجنبية سيمكننا من الفصل بين الفئات العمرية وعدم تفضيل أحدها على الآخرى. من الجدير أن نذكّر هنا بأهمية الجوائز الأجنبية في محيطها، فهي لها قوة تأثير كبيرة على سوق الكتب. كما أن العديد من الأفلام التي تتصدّر دور السينما تكون قصصها مأخوذة من الكتب الفائزة بتلك الجوائز، ناهيك عن الزخم الإعلامي الذي يصاحبها، حيث نجد الصحف والمجلاَّت تعتبر مصدرا مثيرا للنقاش والنّقد، ويتبارى النقاد في الكتابة عنها بكل شفافية وموضوعية، بينما لا يتعدّى الحديث عن الكتب الحاصلة عن الجوائز عندنا فترة تسليم الجائزة، ومن النّادر أن نجد قراءة نقديّة عنها، وأغلب المقالات التي تهتم بها تكون ـ عادة ـ عن المؤلف وإنجازاته وأسلوبه، وتهمل تماما الكتاب وموضوعه ورسالته. الكاتب المُعلّم وإذا اطّلعنا على بعض المناهج الدراسية الخاصة بالقراءة في الدول العربية، نجد أغلب النصوص إما لشعراء الجاهلية، أو لأدباء معروفين من أمثال: طه حسين أو الطيب صالح.. إلخ، ولاريب في أن تلك النصوص مهمّة وضرورية، ولكن من غير المنطقي أن لا تُبرمج لنا نصوصا لأدباء معاصرين ـ خاصة الأحياء منهم ـ فغياب منتوجهم الأدبي يعني أننا لا نقدر ولا نثق في الأعمال الإبداعية المعاصرة، وبالتالي لا نثق في المشرفين على الجوائز، ولا النقّاد، ولا المسؤولين عن الأدب في عالمنا العربي، وهنا يطرح السؤال التالي: ما فائدة وجود هؤلاء؟.. لقد بتنا أشبه بالمريض الذي يذهب إلى الطبيب، فيصف له الدواء، فيذهب إلى الصيدلية ويشتريه ثم لا يتناوله، غير مبال بالنتائج المنتظرة لفعله. بالمقابل فإن الروايات والقصص الحاصلة على جوائز عند الغرب تقرر في المدارس وغالبا ما تبرمج بإشراف مباشر من مؤسسات الدولة وضمن سياستها التعليمية، وعادة ما تغدو المقالات النقدية مرجعا للباحثين والمهتمين بالدّرس الأدبي، مثلما يصبح الكاتب أو الروائي والأديب بشكل عام أشبه بالمعلّم، فهو بعد أن كان أولياء الأمور يعتمدون عليه في تسليّة أولادهم من خلال قصصه أو رواياته المطبوعة، صاروا يعتمدون عليه لتثقيفهم، ورفع مستوى الوعي لديهم، وهكذا يُكْسب الجوائز مصداقية وأهمية، ومن ثمّ ثقة لا يمكن أن تخونها. بعد هذا كلّه، يحق لنا القول: من الواضح أنه علينا إعادة النظر في الأدب الذي نقدمه للنشأة وللمراهقين وللشباب، وأيضا إعادة النظر في تعاملنا معه، ولابدّ أن نكون أكثر جديّة في اختيار الفائزين بالجوائز، لأن فوز أي كتاب يعني تشجيع الأطفال والمراهقين على قراءته، ولا ننسى أن الجوائز ـ كما ذكرت في البداية ـ مرآة عاكسة لمن هو الأفضل.

مشاركة :