إعادة تدوير لشيء: أضحى امتنانًا...

  • 12/31/2020
  • 00:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

بعد الانتهاء من مرحلة تتقد في دواخلنا أحاسيس متداخلة، بعضنا يندم، البعض يشعر بالأسف، آخرون يساورهم الشعور بالحفاوة والعرفان، كل نقطة نهاية تشي بشعور ضخم تتساءل إثره النفس عن محصلة ما مضى، وعما إذا كانت مُثرية أم محض عبث وهزيمة بلا غنائم! كلٌ منا ينتهي من أمر ما في مرحلة معينة، الانتهاء من فصل، من علاقة، من عمل، من حلم، الانتهاء الذي يتشكل في حضرته إدراك المرء بشيءٍ ما يغدو إجابة شافية لكل ما مضى، أحيانًا يترقّى ليغدو بوصلة أمان فيها من الهِداية ما يكفي لكيلا نُعاود الأخطاء ذاتها، والاحتكاك بالضرر ذاته ومصادر التعثر الذي لا يفضي إلى مِنح... في كل نهاية، نقطة ابتداء، يقول ذلك الجميع مع اختلاف المقاصد والمسالك، يقوله المأذي بنهاية فظيعة، الخارج من حرب، العائد من طريق مسدود، المنتهي من فصل يتداخل فيه كل ما سبق! ولا تكمن الفكرة في البدء بقدر تمركزها فيما نَفذ فينا من تلك النهاية والتصق وما سنؤول إليه إثرها، وما سنبتدعه خلال ذلك في المحطة القادمة من بداية تكون أكثر سماحة ولين وإن تلطخت بالحوادث فيما بعد. أُعاود البدء كما الكثرة ولكل بدء مسوغاته، تنطوي صفحات السنين، تتغلّق أبواب الفصول، نتفلّت بامتياز من مرحلة قاسية، تأفل من مدارنا شمس، يُغادرنا صبح، ينطفئ في وجهنا قنديل، تأكل حلكة الظروف من معالمنا الوهج، تتخطف هدأتنا انتهاكات: لم تكفّ الحياة عن فعلها منذ أن تطعّمنا الحياة، ولم يعيقنا عن المُضي شيء فكُلنا نمضي - وفي كُلنا مما مضى ندبة وقصص، وعلامة بعضنا يسترشد بها وبعضنا يحملها ويُواكب المُسلّمات، بعضنا يُمتحن بالضلال فيها بتواتر، وبعضنا يجفل من فكرة البدء فيظل سجين نهاية واحدة طوال العمر، بينما كمن لا يكفّ عن اعتبار كل شيء حكمة، وكل حكمة هِبة، وكل هبة مزية وإن جاءت في أعتى الصور: أُعيد تدوير النهايات، بكل كواليسها، بالرضوض التي ظننتها نهايتي، بالخيبات التي قصفت سلواي، ليصبح كل السواد ومضات اهتداء وهِبة! الناس، المصاعب، العقبات، المخاوف، كلها تغذية للجوهر وعلامة رُشد مؤجلة تقودنا في البدء الذي يجيء بعد النهاية وتشتعل في حضرتها حيوية أيامنا من جديد.. تعتاد النفس السوية في كل محفل وفي مواطن التقدير لأن تبذل كل العرفان للأيادي التي أسهمت في ترقيتها، تروّج للمواقف المضيئة وتشكر الفضل، وفي أي نهاية وقبل البدء بخطوة: أُقدّر الأيدي التي تخلّت قبل النقيض التي لم تتوانَ قط عن التلويح باطمئنان توجهه لنا، لولا التخلي لما فرّقت عيني بين الغرق وطوق النجاة، ولم أكن سأميز بين الأكتاف التي تمسكني وبين الأخرى التي تزيحني، أقدّر المعرفة السوداء التي أعارضها دائمًا في سبيل السلام؛ لأنها ربّت فيّ الإنصات لحدسي قبل أي شيء، لأنها عرّفتني بماهيتي عندما يعترضها كل شيء! أُقدّرها لأني قابلت من خلالها المعرفة البيضاء بي وبالآخر الذي يظهر ليزحزح كل الأشخاص الخطأ بوقفة! أقدّر الصمت الذي حضر في غير مواطنه الشريفة، أقدّر المواضع التي صوّبتني في لُب ما خشيته وصرّحت بمخافتي منه! لولاها لما فهمت واستنرت وعرفت الفخ ومكامن السقطات ولمست العبرة ! أبالغ في تقدير الحقيقة الصادمة، الوجوه التي تقشّر لونها، الرّوع الذي يجيء أثناء الصِدام بينهم وبين أخلاقياتنا، الإلحاح الصارم في سبيل ترك الأثر لدى القدوة والعابر ومن وهبونا التفاتات لا تدوم، أقدّر الروح المرآة التي نرى انعكاسنا فيها، السلامة في شكل طريق آمن لم يتعثر فيه أحد، طريق التسامي والتغافل والارتقاء الذي لن يصمد فيه أحدًا ليس أهلًا له - كل الماشيين فيه دون استحقاق سقطوا عند أول منعطف! أقدّر المشاهد الحارقة التي تقصّف نظرات قلوبنا التي تؤمن دائمًا بالأسربة وتُحسِن لقوالب الأشياء، تقديري الأهم والأسمى للنهاية في كل وجه وفي كل طريق وفي كل وُجهة.. يصير ارتداد النهايات عاليًا في ذواتنا ومحفزًا للبدء بصفاء يليق بأي بداية وبنا، فلم نختر النهايات قط، لم نكن طرفًا في حرب عن قصد، ولم نعرف متى سننتهي وكيف وما الذي سنحصده، خرجنا بخسارات مُشرّفة اخترناها لنكسب أنفسنا عوضًا عن انتصار مخزٍ يلطخ نقاوتنا، انتهينا بوهن يرمز لنضالنا الأصيل، نستحق البدء بهذه الهيئة البيضاء من مخاض نهاية اقتلعت سلوانا ولم ترحم رهافتنا قط! لكنها نافعة كإدراك نبيل، ثمينة كبوصلة، فريدة في ذواكرنا لأنها تشي في كل مرة بفرادتنا في كل منعطف وفي كل صفحة وفي كل مرحلة مهما تباينت الحوادث واختلفت الوجوه. يترقى كل شيء في نفسي مهما بلغ سواده، ومهما كانت سطوة الأمر، ليس لإيجابية تسكنني، ولا أتشدق، لكننا إن لم نفعلها سنُعاود التلطخ بذات الضرر، ستبتلعنا ذات النهاية ولن نفلح في ابتكار الحكمة من وجهة واحدة وأذى مكرر ومرحلة لم نتعدى أسوارها! ما دام السعي وسيلة فلن نكف أبدًا عن ابتداع البدء كغاية في كل مرة تعترضنا فيها مادة النهاية بكل هيئاتها! إن حيواتنا بمجملها نهايات وبدء، صفحة تُطوى وأخرى تتفتح، طريق ينتهي وآخر يبدأ، على صعيد العاطفة وفي جميع المسالك.. أُكِنّ لنهايات الأشياء المادية والمحسوسة معًا خالص الامتنان الذي لا يشوبه ازدراء، ولا يُقاطعه تردد، فلم أكن سأعرف اضطرار “متى وكيف” وهما يُرقّيان من روحي لتنعم بما يشبهها، ولولا طوارئ النهاية لكثير من الأشياء في حياتي ما عرفتُ قيمة “ من “ وفرادة “ الأنا “ ولم أكن لأزدد ارتقاءً في بداية ليست غلطة، على الأقل عند أول خطوة.

مشاركة :