اللقاءات القارية، ودول عدم الانحياز والاجتماعات العربية - الأفريقية، وغيرها، كانت تحكمها العواطف وتبديد الجهود بين الصديق الشرقي، والعدو الغربي، في حين أن مَن كان يمثل تلك الدول هم شركاء فعليون لمعسكريْ التنافس الثنائي في مراحل الحرب الباردة، والمؤسف أن السياسة حضرت واختفت الأولويات الاقتصادية والثقافية، والإرث المشترك الذي تأسست عليه حضارات العالم ونشأتها.. في الكويت نستعيد ذلك الزخم في اجتماع العرب والأفارقة وبحضور عالمي جيد، ولكن بواقعية وعقلانية أكثر، لكن من يعتقد أنه ستغيب السياسة عن هذا المحفل فهو مخطئ لأنها في صلب اهتمام الفريقين، لكن هل تستطيع دول الحضور خلق مناخ عمل يوازي اتحادات جديدة في آسيا وأمريكا اللاتينية تجاوزت العديد من خلافاتها وتباين سياساتها إلى التركيز على عوامل التنمية والتعاون المشترك؛ حيث الظروف مهيأة لأن تخلق تكاملاً اقتصادياً حقيقياً؟ مبدأ التفاؤل موجود، لكن حين نطل على خارطة الدول العربية مع بعضها لا نجد مبدأً يسود بالتغلب على مصاعب الخلافات لخلق أجواء مصالحة تؤدي إلى حلم التعاون الاقتصادي العربي، وبالتالي فإن القفز خارج الحدود إلى أفريقيا، رغم أهميتها الاستراتيجية، سيبقى مشلولاً لعدم كفاءة العمل العربي الموحد، وحتى لو افترضنا أن هذا القياس قد لا يكون دقيقاً، لأن الرأسمال يبحث عن فرص الربح، وأن دولاً عربية رحّلت معظم استثماراتها لأمريكا وأوروبا رغم المخاطر الراهنة في الظروف المالية، وأنها تسعى لفتح مجالات أخرى، ونعني بها تملك الفائض المالي، ومع ذلك فأفريقيا لا تزال أحد مواقع الجذب في سباق محموم بين الصين وأوروبا وأمريكا لتعدد ثرواتها، والدول الخليجية سارعت بالاستثمار الزراعي لسد احتياجاتها الغذائية، ومع ذلك واجهت مشاكل البنية الأساسية وسوء الادارة، والمنافسة الحادة من الدول المتقدمة التي باشرت بعقد صفقات وبعقود أكثر تميزاً، وسيطرة في الحصول على كامل حقوقها وامتيازاتها.. القمة مشروع عمل ولكنه جنين وقد لا يولد كاملاً، لأن ما نعرفه عن أفريقيا وما تعرفه عنا مصدره الأساسي دراسات أمريكية وغربية، وتقدم معلوماتها بمبدأ الاحتكار لشركائها والتي لم يكن تاريخها نظيفاً سواء بالفصل العنصري للمستوطنين، أو الاستعمار المباشر الذي أفرغ القارة من ثرواتها ودمر بيئتها، ومع ذلك قد تكون بعض دولها أكثر مرونة في فهم طبيعة الحركة التاريخية الراهنة حين تفضل الدول المتقدمة على غيرها، ولعدم وجود دراسات وخطط واجتماعات متخصصين من الجانبين.. ورغم العلاقات التي بدأت في الستينيات الميلادية، فإن تنميتها ظلت أمراً عاطفياً وكيف يتم حشد دول طرفيْ العلاقة في التصويت ضد مشروع في الأمم المتحدة، أو مقاطعة إسرائيل وجنوب أفريقيا في حين كانت الأمور أكثر قابلية للتعاون المفتوح، ولكن لأن ثقافة الحيّز الضيق الذي وقف عمله على الجانب السياسي البحت، ألغى مهمات أكبر.. العودة إلى مثل هذه القمة، قد نجد فيها بذور العمل الواحد، ولكن ما لم توجد حقائق على الواقع ترسم حدود الممكن والصعب، وكيف نتجاوزها بالفعل وليس بحسن النوايا فإن هذه اللقاءات تبقى مثل حشود عدم الانحياز وغيرها، ورغم أن التاريخ والتماثل الجغرافي والتواصل التاريخي لها قابليات النجاح في مشروع موحد، فإن العقبات لا يزال من الصعب تبسيطها، وبالتالي دعونا نقل إنها خطوة، قد تقطع الكيلو الأول في المسافة المتعرجة ونطرح التفاؤل بأن عصراً يولد قد يرينا الضوء في آخر النفق..
مشاركة :