انطلقت أمس أعمال القمة العربية الرابعة في مالابو (غينيا الاستوائية) تحت عنوان «التعاون الاقتصادي والتنموي»، وهو عنوان القمتين السابقتين ذاته، فخلال السنوات الست المنقضية لم يحدث تقدم يذكر في هذا الصدد، على رغم تنوّع نشاطات الصناديق التنموية الخليجية في القارة الأفريقية، وامتلاك دول الخليج شبكة واسعة من المؤسسات الخيرية والدعوية لها دور مهم في إدارة العلاقات الخليجية - الأفريقية، إضافة إلى اهتمامات دول شمال أفريقيا بالقارة في الآونة الأخيرة، فلكل من المغرب والجزائر ومصر، خطط معلنة تجاه أفريقيا، منها ما أحرز نجاحاً على المستوى الثنائي، كالحالة المغربية، ومنها ما هو على الطريق، كمصر. ويبدو أن للتعاون الاقتصادي والتنموي بين الجانبين دوافع أساسية في اللحظة الراهنة، لكنه يواجه تحديات مؤثرة تقعده عن الانطلاق. وفي مستوى معوقات التعاون العربي - الأفريقي العامة، نلحظ قصور الأدوات المؤسسية للمبادرة والمتابعة معاً، فعلى رغم تشكل لجنة في مسقط عام ٢٠٠١ لهذا الغرض، إلا أنها لم تحرز نجاحاً إلا في عقد قمة سرت عام ٢٠١٠، وربما يكشف ذلك عدم قدرة الجانبين العربي والأفريقي على انتظام اجتماعات وأعمال لجان التعاون الفنية المختصّة، بعيداً من التجاذبات والصراعات السياسية، خصوصاً اللجنة الدائمة للتعاون الأفريقي - العربي التي تشكل محور التعاون بين الطرفين. وذلك على عكس كثير من أُطر التعاون الدولية القائمة بين الكثير من الفرقاء السياسيين في العالم، إذ غالباً ما يحرص أولئك على إبقاء الباب موارباً أمام أي إمكان للتواصل واللقاء بغية التمهيد لإيجاد حلول لحالات التجاذب والصراع السياسي في ما بينهم. ويضاف إلى المعوقات أيضاً عدم حرص الأجهزة التنفيذية في كلا الجانبين، العربي والأفريقي، على تفعيل دور المؤسسات التشريعية في تعزيز علاقاتهما من خلال اختصاصات تلك المؤسسات، بل يبدو أن هناك مقداراً من الحرص على إبقاء ملفات تلك العلاقات بعيداً من المؤسسات التشريعية. ويمكن أيضاً رصد تلكؤ الأجهزة التنفيذية في كلا الجانبين عن تسويق مفهوم ومحتوى التعاون على المستويات الشعبية بغية خلق رأي عام متفهم ومؤيد أي خطوة قد تُتخَذ في اتجاه تعزيز أواصر التعاون بين الطرفين. وعلى رغم وجود صناديق خليجية استثمارية في أفريقيا، فإن مؤشراتها الإجمالية لم تحقق طفرة في الآونة الأخيرة رغم المؤشرات الاقتصادية التي ترشح أفريقيا مكاناً لجني الأرباح نظراً إلى ارتفاع معدلات النمو في القارة مقارنة بقارات العالم الأخرى. على المستوى المغربي، هناك تركيز على دول غرب أفريقيا لاعتبارات الروابط التاريخية والدينية والوحدة اللغوية، وكلها عوامل صبت في مصلحة المغرب الذي أحرز منفرداً تقدّماً في علاقاته بأفريقيا، انعكس على أوضاعه الاقتصادية العامة ولمصلحة ميزانه التجاري. أما على المستوى المصري، فيبدو أن طبيعة الأوضاع في ليبيا فرضت أن يكون التحدي الأمني، أهم محاور التعاون مع أفريقيا في هذه المرحلة، فتسعى القاهرة حالياً إلى تكوين آلية مجلس السلم والأمن لدول الساحل والصحراء، أي دول شمال أفريقيا ووسطها. هذا الواقع العربي المؤسس على مداخل إقليمية متنوعة لا ينفي القدرة على تدشين تعاون اقتصادي أفريقي على مستوى شامل، خصوصاً أن هناك مدركات أفريقية سلبية إزاء العرب جميعهم تستلزم عملاً مشتركاً، لعل أهم أسبابه هذا الفضاء الاستراتيجي المشترك بين العرب والأفارقة. حيث تتوسّط أفريقيا قارات العالم القديم، فموقعها جغرافي - استراتيجي متّصل بالبحر الأحمر والخليج العربي، أما الوطن العربي، فيمتدّ بين قارات ثلاث، ممسكاً بأهمّ المضائق البحرية والممرات المائية، إذ يبلغ طول السواحل العربية 12000 كلم، تفرض ذاتها على التجارة العالمية. كما أن شمال أفريقيا وغرب الوطن العربي يؤثران في أمن البحر الأبيض المتوسّط وخطوطه التجارية (مضيق جبل طارق)، إضافة إلى تأثيره في المداخل الشمالية من قناة السويس، بما يجعله محدّداً أمن البحر الأحمر وخطوطه التجارية. وأخيراً، فإنّ الأمن العربي والأمن الأفريقي يشكلان مظلّة أمنية واحدة للقرن الأفريقي، بفضل موقع الصومال وجيبوتي المطلّة سواحلهما على البحر الأحمر وخليج عدن، وللبحيرات الكبرى. ولعل إدراك إسرائيل حجم الكتلة العربية - الأفريقية وطبيعة تأثيرها في التعاون المشترك على المحيط الإقليمي والعالمي هو ما يدفعها حالياً لتعويق الشراكة العربية - الأفريقية، وقد استخدمت في ذلك مداخل متعددة منها المدخل الثقافي الذي يعد الأخطر لأنه مؤسس على أن اليهود والأفارقة قد عانوا اضطهاداً وتمييزاً عنصرياً، وأن المعاناة الأفريقية هي على يد العرب أثناء تجارة الرقيق. وقد بلور الإسرائيليون هذه الأطروحة في ما يُعرف بمشروع الأخدود الأفريقي العظيم في حزيران (يونيو) 2002، والذي تم طرحه أمام لجنة التراث العالمي في اليونيسكو، وهو يهدف إلى التعاون الثقافي بين الدول التي تشكل الأخدود الممتد من وادي الأردن حتى جنوب أفريقيا. والغرض الرئيسي لهذا المشروع هو الدفع نحو الاعتقاد بأن سياسة إسرائيل في أفريقيا تساعد الأفارقة (الزنوج) على قاعدة الاضطهاد المشترك التي يعود أصلها إلى ثيودور هرتزل مؤسس الصهيونية الذي قال في كتابه «وطن قومي»، أن لليهود والأفارقة تاريخاً مشتركاً من الاضطهاد، وذلك في سياق طرح أوغندا ضمن خياراته التي تفاوض عليها لإنشاء الوطن القومى اليهودي. وقد طورت إسرائيل استراتيجية لبن غوريون لخلق الأزمات داخل الدول العربية بما يدفع الجماعات الإثنية الموجودة على التخوم العربية إلى الانسلاخ والانفصال وإقامة كياناتها الإثنية المستقلة. وقد حقق تطبيق ذلك بدعم دولي نجاحاً كاملاً في الحالة السودانية بفصل جنوب السودان. لكن المستجدات الاقتصادية الأفريقية تفرض ضرورة أن يتعاون الطرفان، العربي والأفريقي في هذه المرحلة على مبدأ الشراكة المفضية إلى تبادل المنافع، بعدما زاد الناتج المحلي الإجمالي لأفريقيا بين عامي 2000 و2008 بمعدل 4.9 في المئة سنوياً، وهو ضعف نسبة نموها في العقدين السابقين. وبحلول عام 2008، كان ناتج أفريقيا يساوي 1.6 تريليون دولار، أي ما يعادل تقريباً كلاً من روسيا والبرازيل. وطوال السنوات الـ19 الماضية، تحقق أفريقيا جنوب الصحراء قفزات مبهرة في النمو الاقتصادي المستدام. وبعد خمس سنوات من الضعف في الاقتصاد العالمي، واصل معظم بلدان القارة تسجيل نمو قوي. ورغم التحديات الناشئة، من المتوقع أن يصل نمو إجمالي الناتج المحلي إلى 5.2 في المئة خلال ٢٠١٧. وما يعزز النشاط الاقتصادي القوي ارتفاع الطلب على الاستثمارات العامة والخاصة وزيادة الإنفاق العائلي. وفي أفريقيا اليوم أكثر من 100 شركة محلية تزيد عائداتها على بليون دولار. كما ارتفع تدفق رأس المال إلى القارة من 15 بليون دولار عام 2000 إلى 87 بليون دولار عام 2007. ويعود ذلك إلى أن أفريقيا تحقق أعلى عائد مقارنة بأي منطقة أخرى في العالم، رغم التراجع في أسعار النفط في الفترة الأخيرة. وهو متغير لم يمنع الاستثمارات الغربية عن نيجيريا مثلاً... كل هذه العوامل تدعو إلى التفاؤل بمستقبل القارة الأفريقية، وتشير بقوة إلى أن القارة ربما تكون في بداية انطلاقة اقتصادية قوية تشبه تلك التي اختبرتها الصين منذ نحو 30 سنة. فطبقاً لتوقعات صندوق النقد الدولي ستكون هي الأعلى نمواً خلال السنوات الخمس المقبلة، كما توقّع الصندوق أن سبعة من دول القارة ستكون ضمن أسرع 10 دول نمواً في العالم وهي: إثيوبيا، موزمبيق، تنزانيا، الكونغو، غانا، زامبيا ونيجيريا حيث يتوقع أن تدور معدلات النمو في هذه الدول حول 6 في المئة سنوياً. * كاتبة مصرية
مشاركة :