ما الاقتصاد الذي أردنا وما زلنا نريد؟

  • 8/27/2015
  • 00:00
  • 8
  • 0
  • 0
news-picture

لقرون كان الفقر لنا صديقاً، وكان الاقتصاد لأجدادنا طريقاً، لا أكل يُرمى ولا وقت يُهدر، ولا يُترك الفقير لفقره، ولا يستأثر الغني بالمال عن أهله وبني عمومته، يتقاسمون الكَسرة ويفرحون بالتمرة، يتعاونون في كل أمرهم، يأكلون مما يزرعون من دخن وذرة، ومما يصنعون من نسيج وحصر ومعاول. كانت حياتهم شظفاً، وكان ما في أيديهم كفافا، الفاقة تدفع بأبنائهم للغربة ليكدحوا ويرسلوا أموالاً. كانت تلك أياما خوالي، وضعها ريع النفط في متاهات الذاكرة، رغم أنها هي المرتكز، فالنفط إلى نضوب –كُلنا يعرف ذلك- وفي تاريخ الشعوب فمئة سنة أو نحوها هي عبارة عن فاصل ونواصل. لكننا لا نريدها (أي فترة ريع النفط) فاصلاً بين فَقرين؛ فَقرٌ أنهك الأجداد، وفقر ينهك الأحفاد. نريده، بل نريدها أن تنقلنا من فَقرٍ مضى إلى غنى مستمر بتوفيق الله وفَضلهِ. فمنذ أن اُستخرج النفط كان هذا هاجساً؛ كيف نوظف رَيعه لاكتساب أسباب القوة والمنعة اجتماعياً واقتصادياً. وليس أدل على ذلك من أن الملك المؤسس -يرحمه الله- استقدم في أربعينيات القرن الماضي خبراءَ أمريكان للنظر في تنمية البلاد، وبالفعل وجه الملك المؤسس بصياغة برنامج تنموي والسعي حثيثًا لإنجازه، أما العناصر الرئيسة للبرنامج التنموي فكانت: 1- شواطئ المملكة تزيد على 2000 ميل، لكن ليس لدينا موانئ مناسبة. ولذا من المهم بناء ميناء في قرية الدمام، وآخر في جدة لاستقبال البواخر الكبيرة. 2- توفير مياه الشرب لمدينة جدة. 3- توفير مياه الشرب وخدمة الصرف الصحي والطاقة الكهربية لمكة والمدينة. 4- توفير الطاقة الكهربية لمدينة الرياض. 5- مسح لموارد المياه في البلاد، بناء وإصلاح السدود للاستفادة من مياه الأمطار، واستخدام المضخات لجلب مياه الآبار. 6- توفير الرعاية الطبية للمواطنين في أنحاء البلاد. 7 – سكة حديد تمتد في مرحلتها الأولى من الرياض إلى الخليج العربي عبر الهفوف، ثم إعادة بناء خط الحجاز، والمرحلة الثالثة لربط هذين الخطين. 8- توسيع خدمة الطيران لتشمل أنحاء البلاد، والاتصال بالدول المجاورة. 9- إقامة مقاسم للهاتف في المدن الرئيسية. 10 – إقامة شبكة للاسلكي عبر المملكة وإلى العالم الخارجي. ورغم تواصل العمل في المشاريع الرائدة، لكن يبدو أن التطورات في قطاع النفط كانت الأهم على الساحة الاقتصادية في بداية الخمسينيات، ففي العام 1950م اكتمل العمل في خط أنابيب «التابلاين»، وارتفع إنتاج المملكة من النفط بمقدار النصف من 400 ألف إلى 600 ألف برميل. وفي مجال البنية التحتية فقد اكتمل العمل في أرصفة ميناءي جدة والدمام، وجزء من الخط الحديدي بين الرياض والدمام، وتواصل العمل في بناء المطارات. وما زلنا نعمل لإكمال البرنامج التنموي الذي وضع أسسه الملك المؤسس؛ فها نحن نكمل مَدّ الخطوط الحديدة على سبيل المثال لا الحصر. ويتضح من خلال استعراض عناصر البرنامج أن أولوية الملك المؤسس كانت توظيف إيرادات النفط لتحقيق التنمية في ربوع المملكة المترامية الأطراف. وليس محل شك أن تلك بقيت أولوية متقدمة، بالقدر الذي تتيحه الايرادات النفطية وتذبذبها، وتكالب ظروف منطقتنا التي لم تبرحها الحروب والقلاقل. ومع ذلك تبقى التنمية التحدي الأساس، وقد قنن ذلك التحدي في خطط خمسية متوالية منذ العام 1970. وتحقق الكثير، وما زال أمامنا الكثير لتحقيقه، بعد أن تباطأت عجلت التنمية في عقدي الثمانينيات والتسعينيات لتراجع الإيرادات تراجعاً كبيراً، فبدأت -مثلاً- ظاهرة المدارس المستأجرة تنتشر، وضاقت سعة الجامعات عن استيعاب الطلاب، وتراجعت وتيرة الاستثمار نسبة للناتج المحلي الإجمالي بما في ذلك تكوين رأس المال الثابت. بالنسبة للنمو، كان متذبذباً كذلك، باعتبار أن للصادرات النفطية سطوة كبيرة على تكوين الناتج المحلي الإجمالي للبلاد، ففي السبعينيات عايشنا طفرة هائلة، وتبعها انكماش في الثمانينيات، وتقلب في التسعينيات. وبعدها بدأت عوائد النفط تتماسك وأخذت عجلتا التنمية والنمو تنشطان. وحالياً، هناك تململ من تراجع إيرادات النفط، ومخاوف من أن ذلك قد يؤثر على زخم الانفاق الرأسمالي للحكومة، الذي يشكل الأساس في زيادة التنمية من جانب والارتقاء بسعة وقابلية الاقتصاد الوطني للنمو، بما في ذلك استقطاب تدفقات الاستثمار الخاص المحلي والأجنبي. وقد اتضح إصرار الحكومة الموقرة على الاستمرار في انفاقها الرأسمالي من خلال تصاعد الوتيرة على مدى العقد والنصف الماضي، وما صرح به وزير المالية في نهاية العام 2014 من أن الحكومة ستواصل انفاقها التنموي على الرغم من تراجع أسعار النفط، وبالفعل صدرت ميزانية العام المالي 2015 وهي تعكس ذلك الالتزام. نحن الآن أمام مفترق يتطلب إجابات: هل ما زالت الخطة الخمسية العاشرة هي ما نهدف لتحقيقه؟ أم أننا بحاجة لمراجعة الخيارات؟ وما الوسيلة التي سنتبعها لإذكاء النمو في القطاعات غير النفطية؟ وهل سيتواصل برنامجنا التنموي والانفاق عليه كما سبق أم سيخضع لمراجعة وتقليص؟ وضوح الرؤية تؤثر في مناخ الاستثمار تأثيراً جوهرياً، فالتزامات القطاع الخاص تتبع توجهات الانفاق العام عموماً.

مشاركة :