سواء اعتبر "إرهابيا في مجال التكنولوجيا المتطورة" أو بطلا لحرية الإعلام، فإن جوليان أسانج، الذي تطالب الولايات المتحدة الأمريكية بتسليمه لمحاكمته بتهمة التجسس، يطرح نفسه مدافعا شرسا عن الشفافية أيا كان الثمن، ولو أن صورته تراجعت على مرّ السنين. وحكم القضاء البريطاني الإثنين في قضية الأسترالي جوليان أسانج، البالغ من العمر 49 عاما، والذي بات شعره فضيا، فرفض تسليمه إلى الولايات المتحدة. ويلاحق أسانج في الولايات المتحدة لنشره عام 2010 على موقع ويكيليكس أكثر من 700 ألف وثيقة تتعلق بنشاطات واشنطن العسكرية والدبلوماسية، وهو يواجه حكما بالسجن لفترة تصل إلى 175 عاما.أسانج وحرية الإعلام وأسانج محتجز حاليا في سجن بيلمارش جنوب شرق لندن حيث ندد مقرّر الأمم المتحدة حول التعذيب نيلز ميلزر بظروف اعتقاله منتقدا "وضعا غير إنساني" يعرّض حياته "للخطر". ونقل أسانج إلى هذا السجن الخاضع لحراسة أمنية مشددة فور إخراجه في أبريل-نيسان 2019 من سفارة الإكوادور في لندن إلى حيث لجأ قبل سبع سنوات من ذلك متنكرا بملابس مسلّم بضائع، في وقت كان يواجه ملاحقات في السويد بتهمة الاغتصاب، تم إسقاطها لاحقا. وخلال سنوات إقامته في هذا المقر الدبلوماسي، ارتبط أسانج بعلاقة مع إحدى محامياته ستيلا موريس وهي جنوب إفريقية في الـ37 من العمر، أنجبت منه طفلين.ألمانيا تتابع "بقلق" إجراءات التسليم المحتمل لمؤسس موقع ويكيليكس جوليان أسانجالقضاء البريطاني يرفض تسليم جوليان أسانج إلى الولايات المتحدة غير أن صورته كـ"محارب إلكتروني" تراجعت مع الوقت، ولا سيما مع نشر موقعه في لحظة مفصلية من الانتخابات الرئاسية الأمريكية عام 2016 آلاف الرسائل الإلكترونية التي تمت قرصنتها من الحزب الديموقراطي وفريق حملة هيلاري كلينتون، والتي ساهمت في تقويض حظوظ المرشحة الديموقراطية. ولقيت هذه التسريبات في حينها إشادة من المرشح الجمهوري دونالد ترامب الذي أعلن خلال تجمع "أحب ويكيليكس!"، بينما أعلنت وكالة الاستخبارات المركزية "سي آي إيه" أن ويكيليكس حصلت على الوثائق من عملاء روس، وهو ما ينفيه الموقع. وأججت هذه المسألة الشبهات بتواطؤ أسانج مع روسيا، لا سيما أن المعلومات التي يكشفها غالبا ما تكون مضرة للولايات المتحدة، وهو تعاون مع شبكة "آر تي" التلفزيونية القريبة من الكرملين."تحرير الصحافة" أمضى الأسترالي طفولته متنقلا من مكان إلى آخر بحسب رغبات والدته الفنانة المسرحية كريستين آن أسانج التي انفصلت عن والده حتى قبل ولادته. وحين بلغ الخامسة عشرة، كان أقام في أكثر من ثلاثين مدينة أسترالية، قبل أن يستقر في ملبورن حيث درس الرياضيات والفيزياء والمعلوماتية. أبدى موهبة وانكبابا على العمل، فانخرط في أوساط القراصنة المعلوماتيين وبدأ يخترق المواقع الإلكترونية لوكالة الفضاء الأمريكية (ناسا) أو وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون)، مستخدما الاسم المستعار "مينداكس". رزق خلال تلك الفترة ولده الأول دانيال الذي اختلف على حضانته مع والدته. وعندما اطلق "ويكيليكس" بهدف "تحرير الصحافة" و"كشف أسرار وتجاوزات الدولة" أصبح بحسب أحد كتاب سيرته "اخطر رجل في العالم". بات أسانج معروفا بشكل واسع عام 2010 حين سرب أكثر من 700 الف وثيقة سرية متعلقة بحربي العراق وأفغانستان بينها أكثر من 250 ألف برقية دبلوماسية أربكت الولايات المتحدة، فيما اعتبره المدافعون عنه بطل حرية الإعلام.شهرة وانتقادات وقبل عشر سنوات من انتخابه رئيسا للولايات المتحدة، رأى جو بايدن الذي كان آنذاك نائبا للرئيس باراك أوباما أن أسانج أقرب إلى "إرهابي في مجال التكنولوجيا المتطورة" منه إلى وريث قضية "أوراق البنتاغون" التي كشفت في السبعينات أكاذيب الولايات المتحدة حول حرب فيتنام. وردّ أسانج "بحسب نائب الرئيس الأمريكي الشمالي، الحقيقة حول الولايات المتحدة هي إرهاب". وازداد شهرة فيما تراكمت الانتقادات. وفي 2011، نددت الصحف الخمس التي نقلت وثائق ويكيليكس وبينها نيويورك تايمز وغارديان ولوموند، بأسلوب عمل الموقع، الذي ينشر برقيات وزارة الخارجية الأمريكية بدون تنقيحها، محذرة أن من شأن هذه الوثائق "تعريض بعض المصادر للخطر"، وهي انتقادات رددها كذلك إدوارد سنودن الذي كشف للصحافة برامج مراقبة الاتصالات التي تطبقها وكالة الأمن القومي الأمريكية. غير أن أسانج ما زال يحظى بتأييد نواة صلبة من الأنصار بينهم الممثلة الأمريكية باميلا أندرسون وعدد من جمعيات الصحفيين المعارضة لتسليمه.
مشاركة :