إللي في الجدر.. يطلعه الملاس

  • 1/5/2021
  • 00:00
  • 7
  • 0
  • 0
news-picture

ماذا يجري حولنا؟  إلى أين نسير ونمضي؟  أيعقل ما نشهده واقعًا من انهيار للقيم والعادات والأصول الإسلامية العربية الخليجية الأصيلة؟  هل يمكن أن تُباع روابط التاريخ والأخوة والمستقبل الواحد مقابل المصالح الذاتية؟  حيرة كبيرة تلفّ عقل كل مواطن خليجي وهو يرى بأم عينيه التآمر الشيطاني ومشاهد الفوضى الغريبة والمعقّدة والمتشابكة التي دمّرت كل القيم التي جمعت دول مجلس التعاون، لتعيش منطقة الخليج في متاهات وتدخل في دهاليز مظلمة ليس لها أول ولا آخر!  تحركات مكوكية لأمين عام مجلس التعاون لعواصم دول الخليج الخمس حاملًا دعوات خادم الحرمين الشريفين لإخوانه أصحاب الجلالة والسمو، تلك الدعوات التي كان ينقلها -منذ تأسيس المجلس- وزير خارجية الدولة التي تستضيف القمة، إلا أنه وبسبب الخلاف الخليجي الذي طال أمده ومنعًا للإحراجات؛ أصبح الأمين العام لمجلس التعاون هو (المخرج الدبلوماسي).  لقد قرأت وبحثت كثيرًا في العلاقات البحرينية القطرية، ويؤكّد التاريخ على أن الدوحة وكل أراضي شبه الجزيرة القطرية تابعة للبحرين، وكانت الزبارة هي حاضرة البحرين التاريخية؛ إلا أن المؤامرات الإنجليزية وسياستها القائمة على (فرّق تسد) والتنافس على الاكتشافات النفطية بين بريطانيا والولايات المتحدة كانت وراء انفصال (شبه الجزيرة القطرية) عن الوطن الأم (البحرين) بعد الغزو والاحتلال الغادر للزبارة في عام (1937م) الذي دعمته تلك القوى. إلا أن البحرين عملت دائمًا على أن يظل الترابط العائلي والقبليّ وهو أقوى ما يجمع الشعبين القطري والبحريني صامدًا رغم كل ما مر بالعلاقات بين البلدين من منقضات كما ظلت علاقة الدم والقربى على قمة العوامل التي جمعت الشعبين عبر التاريخ الطويل.  ورغم أن الخلاف الحدودي بين البلدين حول جزر حوار قد أنهاه حكم محكمة العدل الدولية في (مارس 2001م)، والذي أعقبه أمير قطر الشيخ حمد بن خليفه آل ثاني بزيارة تاريخية إلى البحرين، ورغم إنشاء اللجنة العُليا المشتركة للتعاون برئاسة ولييّ العهد، والتي أكَّدت في أول بيان لها على العمل على توفير الآليات الجديدة للتعاون، وكان أهمها إنشاء مؤسسة جسر البحرين وقطر، والتوقيع على العديد من الاتفاقيات التي تصب في صالح التعاون التجاري والاقتصادي والاستثماري والدبلوماسي، وأبرزها التوقيع على اتفاقية إنشاء (جسر المحبة) الذي استغلته قطر في ملفها المُقدَّم إلى الاتحاد الدولي لكرة القدم (الفيفا) وادّعت فيه أنها ستستعين بفنادق البحرين عند استضافتها لكأس العالم لكرة القدم عام (2022م)، إلا أن العلاقات بين البلدين لم تستقر، واستمرَّت قطر في معاداة البحرين بشكل غريب!  فلماذا هذا العداء المستحكم الذي تمارسه قطر ضد مملكة البحرين؟  هل بسبب عقدة (آل ثاني) بأن قطر دولة تابعة للبحرين حتى فترة متأخرة من ثلاثينيات القرن الماضي؟  أم هي رغبة في الانتقام من الحكم الخليفي الذي يعتبر نموذجًا للحكم الرشيد في المنطقة العربية؟  أم هو حلم يتغشَّى القيادة القطرية بقيادة الشرق الأوسط وامتلاك قراره السياسي بما تملكه من أموال وثروات طائلة واستقطابها لرؤوس الفتن واعتمادها للسياسات الإعلامية الخبيثة والممارسات السياسية التي تهدّد أمن واستقرار دول مجلس التعاون؟  أم هو فرصة ذهبية وجدتها القيادة القطرية في (الربيع العربي) للانتقام من تداعيات المحاولة الانقلابية التي تزعم تعرضها لها عام (1995م)، وادّعاءاتها بدعم عدد من دول المجلس لهذه المحاولة؟  عند التركيز على المواقف القطرية ضد مملكة البحرين قبل وبعد انتهاء الخلاف وصدور حكم محكمة العدل الدولية، نجد أن هناك الكثير جدًا منها ساهمت بشكل فاعل في استمرار التوتر السياسي بين البلدين، ومنها:  أولاً: تزوير قطر لأكثر من ثمانين وثيقة قدَّمتها لمحكمة العدل الدولية في (يوليو 1991م) لمحاولة إثبات معلومات تاريخية مغلوطة حول أحقيتها في جزر حوار ومنطقة الزبارة والمناطق البحرية الواقعة بين البلدين، ليثبت فحص تلك الوثائق ومعاينة نوعية الورق والحبر والخطوط والأختام المستخدمة فيها بأنها وثائق مزوَّرة، ما شكَّل فضيحة مدوّية على مستوى العالم وبالغة الإحراج للحكومة القطرية اضطرَّتها لسحب تلك الوثائق من المحكمة واعتبارها كأن لم تكن؛ فالحقبة التاريخية للحكم الخليفي على قطر -التي كانت خاضعة لسيادة البحرين حتى عام (1867م)- تشهد عليها الوثائق التاريخية والقبائل البحرينية مثل النعيم والكبسة والدواسر والبوكوارة وغيرها من القبائل التي توطّنت فيها، إلى جانب الحقائق التاريخية والآثار كقلعة الزبارة في منطقة الزبارة على البر المقابل للبحرين والذي كان جزءًا لا يتجزأ من البحرين وتوابعها، فالبحرين كانت تمارس حقوقها السيادية والإدارية على منطقة الزبارة وجزر حوار والفشوت المجاورة لها منذ مئات السنين، وكان أهل البحرين يمارسون في تلك المنطقة الصيد والغوص بحثًا عن اللؤلؤ في مواسمه المعروفة بالصيف، ولم يكن لأهل قطر أي نشاط اقتصادي في المنطقة حتى يومنا هذا، حتى حكمت محكمة العدل الدولية بمنح قطر (فشت الديبل) الذي يُشرف على ثاني أكبر حقول الغاز في العالم، وهو حكم -أراه شخصيًا- غير عادل إطلاقًا؛ حيث تعتبر هذه المنطقة بحيرة داخلية خالصة لأهل البحرين ومصدر أساس لرزقهم، فهي غنية بمصائد الأسماك واللؤلؤ، وموانئ البحرين ونشاط أهلها البحري ينطلق من سواحل البحرين الشرقية المواجهة لقطر وإيران، ولا وجود جغرافي أو تاريخي أو اجتماعي أو اقتصادي يُذكر لقطر في هذه المنطقة البحرية؛ لذلك فهذا الحكم ينافي الواقع التاريخي القائم، ومنح قطر الحق في تسيير دوريات لقواتها البحرية والتسبب في المآسي التي تعرَّض لها مئات من الصيادين البحرينيين الذين قُتل بعضهم وتمَّت مصادرة (طراريدهم وسفنهم) ومحاكمتهم التي تنتهي بدفع مبالغ مالية ضخمة.  ثانيًا: تنفيذ (خطة استعادة الجنسية)، وتقديم إغراءات للبحرينيين للهجرة إلى قطر، والتركيز على العسكريين من ضباط وزارة الداخلية وقوة دفاع البحرين بهدف تجنيدهم للحصول على معلومات سرية حساسة تمس الأمن الوطني البحريني، إضافة إلى المواطنين من قبائل وعائلات معروفة، ولتنفيذ هذه المهمة تمّ تجنيد شخصيات من أبناء القبائل البحرينية الذين استوطنوا قطر منذ فترة طويلة وتولّوا مناصب عُليا في أجهزتها كالديوان الأميري وقناة الجزيرة، وتقديم الإغراءات للبحرينيين بمنحهم جوازات السفر والأراضي والبيوت والوظائف وغيرها بمخالفة الدستور القطري والقانون الذي يشترط (الإقامة في دولة قطر مدّة لا تقل عن ثلاث سنوات للحصول على الجنسية)، وذلك كلّه في إطار عملية تجنيس كبرى هدفت إلى التعرف على الأسرار العسكرية لقوة دفاع البحرين وخلخلة الواقع الاجتماعي البحريني وتفريغه من القبائل العربية الكبيرة والعريقة للتأثير على المدى البعيد على التركيبة الديموغرافية.  ثالثًا: أغلق أمير قطر السابق الشيخ خليفة بن حمد آل ثاني أبواب قاعة القمة الخليجية (11) عام (1990م)، ومنَعَ الأمين العام لمجلس التعاون السفير الدكتور عبدالله يعقوب بشارة ومعاونيه من القيام بعملهم في إعداد توصيات وقرارات القمة الخليجية التي ينتظرها العالم بعد الاحتلال العراقي للكويت في (أغسطس 1990م) وطالب قادة دول المجلس إعطاء الأولوية لموضوع (احتلال البحرين لجزر حوار) قبل اتخاذ أيّ قرارات في شأن الاحتلال العراقي للكويت، واعتبر (البحرين دولة احتلال كإسرائيل التي تحتل الأراضي الفلسطينية)، ووضعَ القمة الخليجية أمام موقف محرج مع دول العالم التي كانت تنتظر قرارات قمة الدوحة بعدما اتخذت كل الدول والمنظمات الدولية والإقليمية مواقف شجب وتنديد بالعراق ومطالبته بالانسحاب الفوري من دولة الكويت، مما اضطرّ صاحب السمو الملكي الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة رئيس مجلس الوزراء ورئيس الوفد البحريني رحمه الله إلى الانسحاب، لولا تدخل المغفور له الملك فهد بن عبدالعزيز آل سعود والتقييم الواعي لسمو رئيس الوزراء وإدراكه لضرورة تنحية أي خلافات جانبًا في سبيل بحث التداعيات الخطيرة للاحتلال العراقي على الكويت الشقيقة.  رابعًا: رغم أن الشيخ حمد بن جاسم آل ثاني رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية القطري السابق هو من اقترح خلال اجتماع وزراء خارجية دول مجلس التعاون الطارئ الذي عُقد في فندق رتز كارلتون البحرين في (مارس 2011م) مشروع المارشال الخليجي إلى كل من البحرين وسلطنة عُمان لمساعدتهما في تنفيذ المشاريع التنموية والبنى التحتية وتجنب تعرّضهما لشرارة الربيع العربي، ورغم المباركة الخليجية لذلك المشروع، والاتفاق على منح البحرين وعمان (10 مليارات دولار) خلال العشر سنوات القادمة بواقع مليار دولار لكل سنة، إلا أن قطر هي الدولة الوحيدة التي لم تدفع حصتها المُتفق عليها لمملكة البحرين حتى اليوم.  خامسًا: الحرص على التواصل بين أعلى المستويات في القيادة القطرية ومختلف قوى المعارضة في البحرين، واستضافة قياداتها والشخصيات المتعاطفة معها في برامج قناة الجزيرة، والإنفاق الإعلامي الباذخ على البرامج الإخبارية الملفقة والأفلام الكاذبة حول أحداث البحرين والمحرضة على الفتنة والانشقاق في المجتمع البحريني كبرنامج (الفقر في البحرين)، وفيلم (صراخ في الظلام)، وتخصيص قناة الجزيرة باللّغتين العربية والإنجليزية لبثها مرارًا وتكرارًا بهدف كسب المزيد من الدعم للمعارضة البحرينية وعلى الأخصّ دعم الدول الأعضاء في مجلس حقوق الإنسان، وهو التوجّه ذاته الذي تسير فيه السياسة الإيرانية وسياسة حزب الله الإرهابي في دعم المعارضة البحرينية ومساندتها بمختلف الوسائل.  سادسًا: تبنّي وتمويل واحتضان مراكز الدراسات والأبحاث والمنظمات الفكرية المشبوهة التي تمارس حراكًا مضادًا لدول مجلس التعاون، كمركز بروكنجز الدوحة الذي يرأس مجلس إدارته الشيخ حمد بن جاسم آل ثاني.  وبعدما أثبت واقع الحال عبث السياسة القطرية وتهورها وعدم وفائها بالتعهدات والالتزامات المتَّفق عليها خليجيًا، وضربها العلاقات التاريخية والأخوية التي تجمعها بشقيقاتها الدول الخليجية والعربية، وعدم اكتراثها لما ستؤول إليه المنطقة العربية مستقبلاً نتيجة لهذه السياسة اللامسؤولة، والذي يضع منطقة الخليج في خطر محدق يشقّ الصف الخليجي ويدخله في معارك جانبية ضارية تدمّر كل إنجازاته وتزعزع استقراره الداخلي، أين موقع (المصالحة) التي هي أُمنية كل مواطن خليجي من هذا كلّه؟  وكيف سيكون شكل (المصالحة) بعد الشكوى التي تقدَّمت بها قطر إلى مجلس الأمن الدولي وادّعت بأن طائرات حربية بحرينية اخترقت مجالها الجوي؟ وبعد التوتر المتزايد على الحدود البحرية بعد قيام دوريات قطرية بإيقاف زورقين بحرينيين تابعين لخفر السواحل أثناء عودتهما بعد انتهاء مهمتهما في تمرين (المانع البحري) داخل الحدود البحرية لمملكة البحرين؟  وكيف ستتم (المصالحة) في ظل التواجد العسكري التركي على الأراضي القطرية؟ وما هو مستقبل (قناة الجزيرة) التي قامت بأشرس حملة إعلامية ضد صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان ولي عهد المملكة العربية السعودية وضد البحرين والإمارات وضد جمهورية مصر العربية؟  وما مصير الإخوان المسلمين المتآمرين ضد نظام الحكم في دولة الإمارات المتحدة والذين وجدوا في العاصمة القطرية ملاذهم الآمن؟  أسئلة كثيرة ومحيّرة، إلا أن المثل البحريني يقول (إللي في الجدر.. يطلعه الملاس).. فإلى هنالك أنا وأنتم في الانتظار.. وكل عام وأنتم بخير..  المحلل السياسي للشؤون الإقليمية ومجلس التعاون

مشاركة :