بغداد - دخل التيار الصدري بزعامة مقتدى الصدر وائتلاف دولة القانون بزعامة رئيس الوزراء العراقي الأسبق نوري المالكي في تراشق كلامي يأتي في خضم حملة انتخابية مبكرة تسعى خلالها أطراف في المكون الشيعي العراقي لانتزاع مكاسب سياسية أملا في تحقيق غالبية برلمانية تمكن هذا الطرف أو ذاك من الظفر بمنصب رئاسة الوزراء.ولم يخف الصدر في أكثر من مناسبة طموحه في قيادة العراق مستعينا بزعامة بالوراثة وبـ"شرعية" ثورية يشكك فيها كثير من السياسيين، معتمدا أيضا على شعبية اكتسبها في السنوات التي أعقبت الاحتلال الأميركي للعراق.وكذلك لم يخف نوري المالكي منذ خروجه من الحكم قبل سنوات، طموحه في العودة إلى القيادة، لكنه يخوض المعارك الانتخابية مثقلا بإرث طائفي واتهامات بالفساد قللت حظوظه. ومن المؤكد أن المشهد في العراق سينفتح على تحالفات واصطفافات براغماتية في المرحلة القادمة لتأمين حظوظ أوسع في الانتخابات التشريعية، على غرار ما فعله التيار الصدري في الانتخابات الماضية حين تحالف مع الشيوعيين وأحزاب أصغر، في مفارقة عجيبة جمعت حزبا دينيا بأحزاب علمانية وهو تحالف مصلحي بالأساس.وبدأت المعركة الكلامية بين الصدر وائتلاف دولة القانون، حين اتهم صلاح العبيدي المتحدث باسم التيار الصدري المالكي بالعمل وفق أجندات أميركية لإضعاف القوات الأمنية العراقية.وردّ رسول أبوحسنة القيادي في ائتلاف دولة القانون على الاتهامات التي ساقها التيار الصدري بالقول "التصريحات الصادرة من التيار الصدري، هدفها التسقيط السياسي مع قرب الانتخابات لأهداف انتخابية، خصوصا أن التيار ليس لديه شيء يتحدث فيه غير الهجوم على المالكي، خصوصا مع قرب كل انتخابات".ونقلت وكالة 'شفق نيوز' الكردية العراقية عن أبوحسنة قوله، إن نوري المالكي تولى قيادة العراق في فترة حرجة جدا في العام 2006، مشيرا إلى سلسلة أحداث في تلك الفترة التي سادت فيها الفوضى الأمنية والحزبية والميليشاوية وتنامي الاغتيالات الطائفية وقطع الرؤوس، مضيفا أنه (أي المالكي) "نجح رغم ذلك في ولايته الأولى في تحقيق الأمن والاستقرار".والواقع بعيدا عن تشخيصات التيار الصدري لأهداف انتخابية، أن العراق شهد بالفعل في عهد المالكي أسوأ الجرائم الطائفية والقتل على الهوية إلى جانب استشراء الفساد وتغول الميليشيات الموالية لإيران وتغلغل الأخيرة في مفاصل الدولة العراقية. وأطنب أبوحسنة في تعداد "محاسن" المالكي و"انجازاته"، معتبرا أنه بعد أن أعاد الاستقرار للعراق، عمل على تقوية قوات الأمن والجيش وتشكيل جهاز مكافحة الإرهاب وتعزيز قدرات القوات المسلحة بإبرام صفقات تسلح ضخمة مع روسيا والولايات المتحدة وتكثيف عمليات التدريب وغيرها.لكن ما يتحدث عنه القيادي في ائتلاف دولة القانون يتناقض تماما مع انهيار الجيش العراقي تحت قيادة المالكي في صيف 2014 أمام اجتياح تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) للعراق والسيطرة على نحو ثلث مساحة البلاد التي أقام عليها دولة الخلافة المزعومة انطلاقا من الموصل.وثمة تنافس محموم بين المكون السياسي الشيعي على تأمين المصالح والنفوذ، بعد أن تفكك الائتلاف العراقي الموحد (الذي كان يضم معظم الأحزاب الشيعية) والذي كان يهيمن على الحكم منذ 2003 حتى الأشهر الأخيرة من العام 2019، التي شهدت لأول مرة احتجاجات شعبية منددة بالنخبة الحاكمة ومطالبة برحيلها.وكان الائتلاف العراقي الموحد يضم معظم التيارات الشيعية في العراق: ائتلاف دولة القانون بزعامة نوري المالكي وتيار الحكمة الوطني بزعامة عمار الحكيم والمجلس الإسلامي الأعلى بزعامة همام حمودي وحزب الإصلاح بزعامة إبراهيم الجعفري والتيار الصدري بزعامة مقتدى الصدر ومنظمة بدر بزعامة هادي العامري وحزب الفضيلة وكتلة مستقلون إضافة إلى شخصيات أخرى.وفي 2009 شكل الجعفري التحالف الوطني الشيعي الذي خاض به الانتخابات البرلمانية في 2010 و2014.وكان ينظر للائتلاف الذي شكله الجعفري على أنه مكمل للائتلاف العراقي الموحد، لكن كان من الصعب أن يحافظ على تماسكه ووحدته في ظل تنافس بين مكوناته.وترسم المعركة الكلامية بين الصدر والمالكي وبينهما عداء تاريخي أو نزاع مصالح وطموحات سياسية، خارطة تحالفات محتملة لخوض الانتخابات التشريعية المبكرة التي فرضتها احتجاجات أكتوبر/تشرين الأول 2019 وهي الاحتجاجات التي دفعت رئيس الوزراء عادل عبدالمهدي كرها للتنحي.ويخوض الصدر معركة على أكثر من جبهة لتعزيز حظوظه ولاستقطاب المزيد من الأصوات، فالرجل الذي احتكم مرارا للشارع في نزال قوة مع خصومه، ولى وجهه لأكثر من جهة وتقلب بين أكثر المواقف تناقضا على الإطلاق، يرفع شعار مكافحة الفساد ويقدم نفسه مصلحا وواعظا ووطنيا ومدافعا عن مدنية الدولة وكارها للطائفية ومؤمنا بسيادة العراق ووحدته وداعما للمحتجين بينما تعمل ميليشياته على تفكيك الحراك الشعبي.ويكفي أنه أرسى في الانتخابات التشريعية الماضية معادلة سياسية عجيبة لا تستقيم من الناحية الإيديولوجية والفكرية بين تيارين، حيث اجتمع حزب ديني (التيار الصدري) وأحزاب علمانية (الشيوعي العراقي والدولة العادلة والشباب وغيرها) في كتلة واحدة ليتصدر التيار الصدري بذلك انتخابات 2018 بحصوله على 54 مقعدا من أصل 329، تليه كتلة الفتح بزعامة هادي العامري (المقرب جدا من إيران وأحد قادة أكبر ميليشيا موالية لطهران) وتحالف الفتح (يضم 18 كيانا من أجنحة سياسية لفصائل الحشد الشعبي) والذي حصل على 48 مقعدا ثم كتلة النصر بزعامة رئيس الوزراء الأسبق حيدر العبادي.ونجح الصدر من خلال ائتلاف "سائرون" في تحصيل غالبية برلمانية مريحة جعلته القوة الأولى في البرلمان، في نتيجة لم يكن يتوقعها.ولم يكن من الممكن لمقتدى الصدر أن يتولى رئاسة الوزراء لأنه لم يرشح نفسه في الانتخابات السابقة، لكن تصدرَ كتلته وضعه في موقع قوة يسمح له باختيار من سيتولى المنصب بعد استقالة عبدالمهدي الذي استقال بالفعل ووجد الصدر نفسه على رغم قوة كتلته البرلمانية خارج حسابات تولي رئاسة الوزراء.
مشاركة :