مقومات نجاح بايدن في إدارة السياسة الاقتصادية الأمريكية

  • 1/7/2021
  • 00:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

إن أجندة الرئيس الأمريكي المنتخب جو بايدن للسياسة الاقتصادية تختلف بشكل كبير عن سياسة الرئيس دونالد ترامب، ولكن قدرة بايدن على تشريع مقترحاته سوف تعتمد على ثلاثة عوامل: التشكيل النهائي لمجلس الشيوخ وقدرته على التعلم من النجاحات والفشل سابقاً (ليس أقلها التعافي الهزيل تاريخياً في عهد أوباما)، وما إذا كان الاقتصاد الأمريكي قادراً على تجنّب حدوث صدمة تعيق النمو. لقد فاز بايدن بسهولة بالتصويت الشعبي في انتخابات هذا العام، وكما كان الحال مع ترامب سنة 2016 فإن أغلبية بسيطة في عدد من الولايات المتأرجحة جعلته يفوز بالمجمع الانتخابي بشكل مريح، ولكن، وعلى الرغم من أن الديمقراطيين أنفقوا أموالاً على الحملة الانتخابية أكثر بكثير من الجمهوريين، إلا أن الجمهوريين تمكنوا من تحقيق مكاسب مفاجئة في مجلس النواب والمجالس التشريعية على مستوى الولايات. لقد أظهرت استطلاعات الرأي أن الاقتصاد والوظائف وجائحة «كوفيد 19» هي في قمة اهتمامات الناخبين، وحتى أن الناخبين في كاليفورنيا رفضوا إعادة فرض التمييز الإيجابي أو زيادة الضرائب العقارية على الشركات مما يعني أن الانتخابات كانت «تموج أحمر» للجمهوريين أكثر من كونها «موجة زرقاء» للديمقراطيين. ومن أجل الفوز بالسيطرة على مجلس الشيوخ، بحيث يكون لنائب الرئيس المنتخب كاميلا هاريس الصوت المرجح عند تساوي الأصوات، يجب على الديمقراطيين الفوز بانتخابات الإعادة لمقعدين في مجلس الشيوخ عن ولاية جورجيا، وهو ما تحقق بالأمس، إذ إن فوز الجمهوريين كان سيجعل أجندة بايدن مقيدة إلى حد كبير، مما سيجبره إما على عمل تسويات مع الجمهوريين في مجلس الشيوخ أو اللجوء إلى الأوامر التنفيذية والإملاءات التنظيمية كما فعل أوباما وترامب. فوز الديمقراطيين بالمقعدين عن مجلس الشيوخ في جورجيا سيقود أيضاً عضو مجلس الشيوخ تشاك شومر من نيويورك ليصبح زعيم الأغلبية، ولقد أشار شومر سابقاً أنه في حالة حصول مثل هذا السيناريو فإنه سوف يلغي «ذا فيليباستر»، وهو حكم إجرائي يتطلب فعلياً أغلبية كبيرة تصل إلى 60 صوتاً من أجل إقرار معظم التشريعات، وفي هذه الحالة سيتمكن الديمقراطيون من تشريع أي سياسة يمكن أن يتوحد الديمقراطيون في مجلس الشيوخ خلفها. أما بايدن فهو يريد زيادة معدل ضريبة الشركات ورفع الضرائب على الدخل ومكاسب رأس المال وتوزيعات الأرباح والعقارات والرواتب على الأفراد ذوي الدخل المرتفع (الذين يكسبون أكثر من 400 ألف دولار أمريكي سنوياً) والشركات الصغيرة. لقد حدد برنامج بايدن بعد احتساب ضرائب الدخل على مستوى الولاية معدل ضريبة هامشي مرتفع يصل إلى حوالي 65% لدافعي الضرائب من ذوي الدخل المرتفع في كاليفورنيا ونيويورك. لقد كانت الولايات المتحدة الأمريكية تطبق مثل تلك المعدلات الضريبية المرتفعة قبل زمن طويل – مع تأثيرات مثيرة للجدل على النمو الاقتصادي والإيرادات الحكومية - لكنها كانت تطبق على نسبة أقل بكثير من السكان. إلى جانب الإنفاق التحفيزي الضخم المرتبط بالجائحة، يريد بايدن أيضاً إنفاق المزيد من تريليونات الدولارات خلال العقد المقبل لمكافحة التغير المناخي وتوفير التأمين الصحي الحكومي والاستثمار في البنية التحتية وغير ذلك الكثير. إن مثل تلك المقترحات سوف تضيف تريليونات الدولارات إلى الدين الوطني خلال عشر سنوات، وهي مبالغ ستضاف إلى المبلغ المتوقع سابقاً والذي يصل إلى 13 تريليون دولار، وهذا يأتي بعد عجز هائل خلال فترة الإدارتين السابقتين، وعلى الرغم من أن الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي يبدو راغباً في استيعاب تصاعد الدين حالياً، فإن مقاربته قد تتغير في نهاية المطاف. إن الاقتصاد لا يزال تحت خط التوظيف الكامل مما يعني أن الإنفاق المستهدف الممول من خلال العجز سيكون أمراً منطقياً من الناحية الإنسانية. \إن المشكلة تكمن في أن أي حزمة تشريعية من المرجح أن تتضمن بنوداً مكلفة وغير جوهرية ومضرة تتعلق بالإنفاق. إن من الأمثلة الرئيسية على ذلك الاقتراح الذي لا يتضمن تمديد تأمين البطالة (والذي أدعمه) فحسب، بل أيضاً إضافة 600 دولار أمريكي أسبوعياً إلى المخصصات الاعتيادية مما يعني أن ثلثي المستفيدين سوف يتلقون أموالاً أكثر مما كانوا سيتلقونه لو كانوا يعملون بالفعل. يقترح بايدن كذلك عدداً كبيراً من الأنظمة والأحكام الجديدة لأجزاء عدة من الاقتصاد - وذلك من الطاقة إلى الرعاية الصحية - علماً أن التكلفة الاقتصادية لها قد تتجاوز كثيراً المنافع. إن مقاربته بالنسبة للممارسات التجارية غير العادلة للصين من المرجح أن تكون متعددة الأطراف، حيث سينظر في الانضمام إلى الاتفاقية التي حلّت مكان اتفاقية الشراكة عبر المحيط الهادئ، وسوف يخفف من التعرفة الجمركية لإدارة ترامب مما يشير إلى نظرة أكثر دعماً لمنافع التجارة، ولكن من غير المعروف ما إذا كانت الصين سوف تستجيب وكيفية تلك الاستجابة. في الجو السياسي الذي يعكس الاستقطاب الحاصل في أمريكا فإن من الشائع التفكير وبشكل تلقائي أن جميع سياسات إدارة أوباما كانت ناجحة (أو فاشلة) بينما جميع سياسات ترامب قد فشلت (أو نجحت)، ولكن مثل هذا التفكير لا يؤدي لقرارات حكيمة. ليس كل النمو الهزيل بعد 2008 يمكن أن يعزى إلى سياسات أوباما، وذلك نظراً لأن إدارته ورثت أسوأ أزمة مالية منذ الكساد العظيم، ومع ذلك فإن عدم وجود نمو قوي هو دليل ظاهري على أنه كان هناك مجال للتحسن (كما كنت قد توقعت سنة 2008). بالمثل لا يمكن لترامب القول إن الفضل يعود إليه في كل النمو القوي ونسبة البطالة المنخفضة تاريخياً لدى الأقليات وارتفاع الأجور في أسفل الهرم ومعدلات الفقر، والتي سجلت معدلات انخفاض قياسية قبل كارثة «كوفيد 19»، ولكن مهما يكن من أمر فإن من الواضح أن ترامب تمكّن من عمل بعض الأشياء بشكل صحيح (مثل إقرار إصلاحات ضريبة الشركات والتقليل من اللوائح). سوف تتم صياغة أولويات بايدن والترويج لها من قبل فريقه الاقتصادي بقيادة الرئيسة السابقة للاحتياطي الفيدرالي جانيت يالين والتي سوف تصبح وزيرة الخزانة، بالإضافة إلى المستشارين السابقين لأوباما للسياسات، والذين سوف يتولون المناصب المهمة الأخرى. إن معظم آراء تلك الشخصيات هي آراء ليبرالية، ولكن ليست راديكالية فيما يتعلق بقضايا السياسات التنظيمية والمالية وتلك المتعلقة بالاقتصاد الكلي، وبينما جميعهم يعبّرون عن مخاوف تستحق الإشادة بأوضاع الناس المحرومين والبيئة، إلا أنه سوف يتوجب عليهم مقاومة حماسة زملائهم الأكثر أيديولوجية لمقترحات سوف تؤثر سلباً على أي اختبار جدي للتكلفة - الفائدة. إن من الأمور التي تثير القلق على وجه الخصوص هو ترشيح نيرا تاندين، رئيسة مركز التقدم الأمريكي ذات الميول اليسارية كمديرة لمكتب إدارة الميزانية، وهو منصب عادة ما يعطى لشخص ذي نظرة ناقدة فيما يتعلق بالإنفاق والعجز واللوائح. على كل حال فإن من المرجح أن يتباطأ التعافي الحالي في الأسابيع المقبلة بسبب جولة جديدة من الإغلاقات، ولكن ربما سوف يتمتع بايدن بدفعه قوية بحلول الربيع والصيف، وذلك بسبب وصول لقاحات «كوفيد 19» وأي إنفاق «تحفيزي» إضافي. إن الأمريكيين ينظرون تقليدياً إلى الحكومة المنقسمة، وذلك من أجل الدفع بالسياسات باتجاه الوسط ولو تمكن الجمهوريون من الاحتفاظ بسيطرتهم في مجلس الشيوخ فإن بايدن قد يجد نفسه في وضع أفضل لمقاومة الضغط من اليسار الصاعد، وهذا ينطبق كذلك على رئيسة مجلس النواب من الحزب الديمقراطي نانسي بيلوسي. بعد أول عامين من الأداء الكارثي في السلطة للرئيس بيل كلينتون، قرر العمل مع الكونغرس الجمهوري لتحقيق التوازن في الميزانية وإصلاح أنظمة الرعاية، وهذا نموذج يجب أن يفكر بايدن في الاقتداء به من أجل مصلحة البلاد ومن أجل إرثه الشخصي. طباعةEmailفيسبوكتويترلينكدينPin InterestWhats App

مشاركة :