عندما يتعلق الأمر بالرقمنة، نجد أن قطاع الرعاية الصحية لا يحل خلف القطاع المصرفي فحسب، بل أيضاً تسبقه قطاعات أخرى مثل، السفر والتجزئة وصناعة السيارات وحتى تعبئة الأطعمة. ونحو 70% من المستشفيات الأميركية، ما زالت تستخدم الفاكس والبريد في إرسال سجلات المرضى. ولا يوجد تبادل إلكتروني لمثل هذه السجلات، بين المناطق في إسبانيا، عند اندلاع موجة كوفيد-19 الأولى. وبالكشف عن مثل هذا القصور الرقمي، جاء التغيير أخيراً مدفوعاً بظهور الوباء. وبمواجهة الإغلاق والفوضى، تبنى الأطباء، عمليات التواصل والتحليل الرقمي، التي أصبحت عادية في بعض القطاعات لسنوات عديدة. وعاد المرضى أكثر راحة في ظل عمليات التحليل والمعالجة عن بُعد بمساعدة أجهزة الكمبيوتر. وتتسابق المؤسسات الصناعية، من المؤسسات الناشئة للتطبيقات الصحية والمستشفيات ووكالات التأمين والصيدليات وشركات التقنية العملاقة مثل أمازون وأبل وجوجل، لتقديم مثل هذه الخدمات. وترتفع العائدات العالمية للصحة الرقمية، من التطبيب عن بُعد والصيدليات على الشبكة العنكبوتية والأجهزة القابلة للارتداء وغيرها، من 350 مليار دولار في السنة الماضية، إلى 600 مليار دولار بحلول 2024. والمساحة الشاسعة من سوق الرعاية الصحية في أميركا والتي تبلغ 3.6 تريليون دولار، ماضيةً في طريقها للتحول الرقمي. كما يحدث الشيء نفسه، في الصين وأوروبا ومعظم المناطق الأخرى، حيث يمارس الأطباء تجارتهم، بحسب ذا إيكونيميست. والعمل الأساسي الذي يبدو أنه سيدر تريليونات الدولارات، ساعد الوباء في تسريع وتيرته. ويزيد الرقم القياسي المقدر بنحو 8.4 مليار دولار من تمويل صناديق الأسهم، الذي تم ضخه في شركات القطاع الخاص في الربع الثالث، عما كان في السنة الماضية بأكثر من الضعف. وتقدر القيمة الكلية للشركات الخاصة الناشئة في القطاع الصحي غير المدرجة، التي تبلغ قيمة الواحدة منها مليار دولار أو أكثر، ما يزيد على 110 مليارات دولار. ونجحت شركة أيه أم ويل العاملة في المعالجة عن بُعد، والتي تستثمر فيها جوجل نحو 100 مليون دولار، في جمع 742 مليون دولار في طرح أولي عام في سبتمبر الماضي، حيث تقدر قيمتها السوقية بنحو 6 مليارات دولار. وفي ظل انتعاش القطاع الطبي الرقمي وزيادة إقبال المستثمرين عليه، ارتفع عدد الاستشارات الطبية عبر الفيديو لشركة دوكتولب الفرنسية، من ألف إلى 100 ألف يومياً هذا العام. وكما هو الحال في العديد من التقنيات الجديدة، ربما يكون بعض ذلك مجرد ضجة، حيث يرى محللون أن بعض الادعاءات مبالغ فيها مثل، الذكاء الاصطناعي الطبي والطب الدقيق، الذي ينظر في طبيعة حياة الفرد وجيناته وبيئته، لتحديد الوصفة العلاجية المناسبة. وأصبحت تقنيات مثل، أجهزة الاستشعار والحوسبة السحابية وتحليل البيانات، من العوامل الطبية الهامة، بينما جعل خطر الإصابة بوباء كورونا في المستشفيات والعيادات الطبية، تبنيها أكثر إلحاحاً من أي وقت مضى. وتقوم شركات متخصصة مثل، ليفونجو وأندو، بصناعة أجهزة لمراقبة مرضى السكري وأمراض أخرى بصورة مستمرة. ووجدت دراسة أجرتها جامعة ستانفورد، أن نصف الأطباء الأميركيين، يستخدمون مثل هذه الأجهزة. وتوصلت دراسة أجرتها مجلة جاما للأمراض الباطنة، على 16 مليونا من الأميركيين، إلى أن استخدامهم لوسائل المعالجة عن بُعد، زاد بنحو 30 مرة في الفترة بين يناير إلى يونيو من هذا العام. ويحث المنظمون في جميع أنحاء العالم المختلفة، مزودي الرعاية الصحية، على فتح أنظمتهم المنعزلة، كواحد من العوامل الهامة لانتعاش قطاع الصحة الرقمية. ويعكف الاتحاد الأوروبي، على تطوير معيار إلكتروني للسجلات الطبية، بينما كشفت الحكومة الهندية، عن خطة تتعلق بهوية الصحة الرقمية وضرورة استخدام أجهزة الكمبيوتر لتبادل البيانات والاستفادة منها. كما تحاول الحكومة الصينية، التصدي لرفض المستشفيات للسجلات الإلكترونية، بحجة إمكانية فقدان المرضى لصالح مستشفيات أخرى منافسة. وفي حين يساعد كل هذا، الطب على التطور من علم سريري مدعوم بالبيانات، إلى علم بيانات مدعوم من قبل الأطباء، تسعى شركة أمازون، لجعل مساعدها الرقمي «أليكسا»، قادراً على مساعدة المستخدمين للتحليل، وما إذا كانت ناتجة عن أعراض نزلة برد عادية أم كوفيد-19. وارتفعت عائدات علي هيلث، التابعة لشركة علي بابا الصينية، بنسبة 74%خلال الـ 6 أشهر حتى سبتمبر، لنحو 1.1 مليار دولار، بينما أدرجت آبل 50 ألف تطبيق صحي في هواتفها وأجهزتها الذكية الأخرى. في غضون ذلك، تتعاون سيمينز هيلثنيرس، واحدة من مؤسسات التقنية الصحية الكبيرة في ألمانيا، مع سلسلة مستشفيات جيسنر الأميركية، لتوسيع دائرة عمليات مراقبة المرضى عن بُعد. وفي الهند، يمكن لمرضى مستشفيات أبولو، استخدام تطبيق لإعادة تعبئة الأدوية والحصول على الاستشارات الطبية وعمليات التشخيص عن بُعد، إضافة لتأمين قرض طبي من خلال شراكة المستشفى مع بنك أتش دي أف سي.
مشاركة :