قد يحكمُ أصحابُ الدنيا ويخضعون لقراراتها وقد يسودُ المالُ الرقاب ويتحكمُ في الأعناق ومن نصائح الشعراء لمن يغترُّ بالدنيا وسرورها والدهر وصفائهِ تلك القوالب الشعرية الباهرة الموجهة إلى الشامتين بمن انقلبت بهم الأحوال وبدلت نوائبُ الدهر وطوارقه صفاءهم يخاطبُ الشاعرُ (( فروة بن مُسيك )) الشامتين بأبياتٍ رائعة يقول فيها : - إذا ما الدَّهرُ جرَّ على أُناسٍ كلاكِلَهُ أناخَ بآخرينا فقل للشامتين بنا أفيقـوا سيلقى الشَّامتون كما لقينا كذاكَ الدهرُ دولتُه سجالّ تكرُّ صُروفُه حيناً فحينا ومن يُغرر بريب الدهر يوماً يجد ريبَ الزمان له خؤونـا فأفنى ذلكم سروات قومي كما أفنى القرون الأولينا فلو خلَدَ الملوكُ إذاً خلدنا ولو بقي الكرامُ إذاًبقينا وإن نَغلِب فغلابون قِدمـاً وإن نُهزم فغيرَ مهزَّمينـا ومن أقوال الخليفة العباسي المنصور : - من يصحب الدَّهرَ لا يأمن تصرُّفه يوماً وللدَّهرِ إجلاءٌ وإمـراءُ لكُلِّ شيءٍ وإن دامت سلامتُه إذا انتهى فلَهُ لا بُدَّ إقصـارُ وقالت العربُ قديماً : - أربَعٌ لا أمان لها : - ١- الدهرِ وإن صفا ٢- المالُ وإن كَثُر ٣- السُّلطانُ وإن تَقَرَّبَ إليك ٤- المرأةُ وإن طالت عِشرَتُها وعن معنى الشَّمَاتَة نجِدُ أنَّ أصل هذه الكلمة يدلُّ على فَرَح عَدُوٍّ بِبَلِيَّة تُصِيب مَنْ يُعَادِيه، يقال: شَمِتَ العَدُوُّ كفَرِحَ ومعْنًى، يَشْمَتُ شَماتَةً وشماتًا، وشَمِتَ الرَّجُلُ: إِذا فَرِحَ ببَلِيَّةِ العَدُوِّ، وباتَ فلانٌ بلَيْلَة الشَّوامِت، أي بلَيْلَةٍ تُشْمِتُ الشَّوامتَ فالشَّمَاتَة: هي الفَرَح ببليِّة مَن تعاديه ويعاديك وقيل الشَّمَاتَة: سرور النَّفس بما يصيب غيرها مِن الأضرار، وإنَّما تحصل مِن العداوة والحسد . من تَفَكَّرَ في عواقب الدنيا أخذ الحذر ، ومن أيقنَ بطول الطريقِ تأهَّبَ للسفرً، أعجَبُ العجائبِ سرورك بغرورك ، وسهوك في لهوك عمَّا قد خُبِّئ لك ، ويقول علي بن القاسم كنت مع المعتصم لما غزا الروم فجاء بعض سراياه بخبر عمه فركب من فوره وسار يجد في سيره وأنا أسايره فسمع منشدا يتمثل في عسكره إنَّ الأمور إذا انْسَدَّتْ مَسالِكُها فالصبرُ يَفْتَحُ منها كلَّ ما ارتَتَجا لا تيأَسَنَّ وإنْ طالتْ مطالبَةٌ إذا استعنتِ بصبرٍ أن ترى فَرَجا فَسُرَّ بذلك وطابت نفسُه ثم التفت إليَّ وقال لي يا علي أتروي هذا الشعر؟ قلت: نعم . قال من يقوله ؟ قلت: محمد بن يسير . فتفاءل باسمه ونسبه وقال أمر محمود وسير سريع يعقب هذا الأمر. ثم قال أنشدني الأبيات. فأنشدته قوله: ماذا يكلِّفُكَ الرَّوْحاتِ والدُّلَجَا البَرَّ طوْراً وطوراً تركَبُ اللُّجَجَا كَمْ مِنْ فَتىً قَصُرَتْ في الرِّزْقِ خُطْوَتُهُ ألفيتَهُ بِسِهامِ الرزق قد فَلَجا لا تَيْأَسَنَّ وإنْ طالَتْ مُطالبَةٌ إذا استعنَت بصبرٍ أن ترى فَرَجا إنَّ الأمور إذا انْسَدَّتْ مسالِكُها فالصبرُ يفتح منها كلَّ ما ارْتَتَجا أَخْلِقْ بذي الصبرِ أن يحظَى بحاجته ومُدْمِنِ القَرْعِ للأبواب أن يَلِجَا فاطْلُبْ لرجلك قبل الخَطْوِ مَوْضِعَها فَمَنْ عَلاَ زَلَقاً عن غِرَّة زَلجَا ولا يَغُرَّنْك صَفْوٌ أنت شارِبُهُ فربّما كان بالتكدير مُمْتَزِجَا لا يُنْتَجُ النَّاسُ إلا من لِقاحِهِمُ يبدو لِقاحُ الفتى يوماً إذا نتِجَا عبدالله الهدلق
مشاركة :