عندما تُثار قضيةٌ ما، وتكون حديث الساعة، كالتحرّش مثلاً، أو سرقة المحلات التجارية، أو ممارسة التفحيط وما ينتج عنه من حوادث، وغيرها من قضايا، نجد الكل ينتقد هذه التجاوزات الخاطئة، ولاتجد أحداً -مهما كان- يؤيد مثل هذه التجاوزات أبداً، ويتضح ذلك جلياً من خلال الحوارات في شبكات التواصل الاجتماعي، أو المجالس العامة، أو من خلال خانة التعليقات على مواقع الصحف اليومية أو الإلكترونية التي تنشر مثل هذه الأخبار. هذا بالتأكيد شيء جميل جداً ورائع، ولكن السؤال المطروح هنا: إذا كان الكل متفقاً على أن هذه الأعمال خارجة عن تعاليم الشريعة قبل كل شيء ومن ثم القوانين والتعليمات الصادرة من الدولة، إذن، من الذي يقوم بتلك الأعمال التي لا يقبلها دين ولا عقل ولا منطق؟، هل هم أُناس هبطوا علينا فجأة من كوكب آخر، وخرّبوا، وعاثوا فساداً، ثم رحلوا من حيث جاءوا؟، أم أن ما قاموا به لا يعدو أنهم أنموذج مصغر لمجتمع بأكمله يعيش حياته بهذه الصورة المتناقضة؟ بحيث إننا نمقت فعلاً معيناً اليوم، بينما نقوم في الغد بفعله على الملأ!.. هذا التناقض هو الحقيقة المُرّة التي تحدث مع الأسف، وأصبح واضحاً للعيان، فقضايا التحرّش، وظاهرة الدرباوية، وسرقة المجمّعات والصيدليات، والفساد بأنواعه، بالتأكيد لن تجد أحداً يؤيدها ويشجعها في أي زمان ومكان، ولكن مع مرور الوقت تجد أن من كان يستنكرها ويرفضها بالأمس يفعلها اليوم، وهو بكامل قواه العقلية، والمسألة لا تندرج تحت تغيّر قناعات، بحيث لو سألته بعد قضية سرقة أو تحرّش مثلاً لأجابك بأن هذا مناف لتعاليمنا الإسلامية وأنظمة الدولة، وربما تجده يعلق على خبر في إحدى الصحف التي نشرت مثل هذا الخبر، برفضه هذا الفعل بشده، وربما تجده يغرد في «تويتر» مثلاً، ويقول إن على الدولة معاقبتهم واتخاذ أشد العقوبات، بينما هو نفسه الذي قام بهذا العمل المشين!. سبب هذا كله، هو التناقض في شخصية الفاعل، وعدم معرفته الكاملة بشخصيته الحقيقية، لذلك يضيع بين وجهه الطبيعي فيمارس ما يريد في الخفاء وبعيداً عن أعين الناس والإعلام، وبين وجه آخر يحاول من خلاله الظهور بصورة تُرضي المجتمع عنه ويغلبها التصنع والنفاق متناسياً ماقام به. ختاماً، لكي نقضي على هذه التناقضات التي تحدث كل يوم باختلاف تفاصيلها يجب أن تكون تصرفاتنا تصدر عن قناعة ذاتية يتوافق فيها العقل مع النفس، وأن تكون أقوال الإنسان متوافقة مع أفعاله قدر الاستطاعة، وأن نبتعد عن خداع المجتمع بكلمات وعبارات رنانة ومستهلكة.
مشاركة :